للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَنْ سَعَى بَعْدَ) طَوَافِ (قُدُومٍ لَمْ يُعِدْهُ) أَيْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَتُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ، بَلْ تُكْرَهُ إعَادَتُهُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إذْ هُوَ بِدْعَةٌ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُهُ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: لِأَنَّ لَنَا وَجْهًا بِاسْتِحْبَابِ إعَادَتِهِ بَعْدَهُ. نَعَمْ يَجِبُ عَلَى نَحْوِ صَبِيٍّ بَلَغَ بِعَرَفَة إعَادَتُهُ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَخَّرَهُ إلَى مَا بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ لَمْ يُعْتَدَّ بِوَدَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْتَى بِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَنَاسِكِ وَلَا فَرَاغَ قَبْلَ السَّعْيِ، وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ قَبْلَ سَعْيِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ بَقِيَ السَّعْيُ فَإِحْرَامُهُ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ لَمْ يَحْلِلْ بِدُونِهِ وَلَا يُجْبَرُ بِدَمٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُعْتَدَّ بِوَدَاعِهِ، وَاعْتَرَصَ فِي الْمُهِمَّاتِ قَوْلَهُمَا لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ بِتَصَوُّرِهِ بَعْدَهُ بِأَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَكَّةَ بِحَجٍّ ثُمَّ يَقْصِدَ الْخُرُوجَ لِحَاجَةٍ قَبْلَ الْوُقُوفِ: أَيْ إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ لِمَا يَأْتِي فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ فَإِذَا عَادَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْعَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ.

قَالَ: وَكَذَا لِمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ لِخُرُوجِهِ إلَى مِنًى أَنْ يَسْعَى بَعْدَهُ اهـ. وَفِي نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَكَلَامِ الْخَفَّافِ مَا يُوَافِقُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ رَدًّا عَلَيْهِمَا مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ اخْتِصَاصُهُ بِمَا بَعْدَ الْقُدُومِ وَالْإِفَاضَةِ، وَقَوْلُهُمَا إنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَيْ بِحَسَبِ مَا فَهِمَاهُ، فَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَدْفَعُ بِكَلَامِهِ نَقْلَهُمَا الصَّرِيحَ، وَصَوَّبَ الْإِسْنَوِيُّ أَيْضًا وُقُوعَهُ بَعْدَ طَوَافِ نَفْلٍ بِأَنْ يُحْرِمَ الْمَكِّيُّ بِالْحَجِّ ثُمَّ يَتَنَفَّلُ بِطَوَافٍ ثُمَّ يَسْعَى بَعْدَهُ، وَقَدْ جَزَمَ بِالْإِجْزَاءِ فِي هَذِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَقَعَ بَعْدَ طَوَافٍ وَلَوْ نَفْلًا إلَّا طَوَافَ الْوَدَاعِ، وَيَرُدُّهُ مَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ أَيْضًا.

(وَيُسْتَحَبُّ) لِلذَّكَرِ (أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَدْرَ قَامَةٍ) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَقِيَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَلَا يُسَنُّ لَهُمَا الرُّقِيُّ: أَيْ إلَّا إنْ خَلَا الْمَحَلُّ عَنْ غَيْرِ الْمَحَارِمِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْخُنْثَى الْإِسْنَوِيُّ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ أَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُ، وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَمِثْلِهَا الْخُنْثَى إخْفَاءُ شَخْصِهَا مَا أَمْكَنَ وَإِنْ كَانَتْ فِي خَلْوَةٍ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهَا التَّخْوِيَةُ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ فِي خَلْوَةٍ يُرَدُّ بِأَنَّ الرُّقِيَّ مَطْلُوبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى طَلَبًا لِلسِّتْرِ، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ مَعَ الرُّقِيِّ صَارَ مَطْلُوبًا، إذْ الْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَبِأَنَّ قِيَاسَ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى التَّخْوِيَةِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهَا مُثِيرَةٌ لِلشَّهْوَةِ وَمُحَرِّكَةٌ لِلْفِتْنَةِ وَلَا كَذَلِكَ الرُّقِيُّ فَلَا تَصِلُ لَهُ، وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ مَا مَرَّ فِي الْجَهْرِ بِالصَّلَاةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ إخْفَاءَ الشَّخْصِ يُحْتَاطُ لَهُ فَوْقَ الصَّوْتِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ سَمَاعَ الصَّوْتِ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِحُضُورِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ بُعْدٍ وَلَا كَذَلِكَ الرُّقِيُّ فِي الْخَلْوَةِ (فَإِذَا رَقِيَ) بِكَسْرِ الْقَافِ (قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) أَيْ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا لِغَيْرِهِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ (اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا) أَيْ دَلَّنَا عَلَى طَاعَتِهِ بِالْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا) مِنْ نِعَمِهِ الَّتِي لَا حَصْرَ لَهَا (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ (لَهُ الْمُلْكُ) أَيْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا لِغَيْرِهِ (وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ) أَيْ قُدْرَتِهِ (الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَوْ نَذْرٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ زَمَنُهُ إلَخْ

(قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهَا التَّخْوِيَةُ) هِيَ رَفْعُ الْبَطْنِ عَنْ الْفَخِذَيْنِ وَإِبْعَادُ الْمِرْفَقَيْنِ عَنْ الْجَنْبَيْنِ (قَوْلُهُ: فَلَا تَصِلُ إلَيْهِ) أَيْ لَا تُسَاوِيهِ فِي الْعِلَّةِ حَتَّى يُمْنَعَ قِيَاسًا عَلَيْهَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَكَذَا لِمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ إلَخْ) فِي هَذَا التَّصْوِيرِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ حِينَئِذٍ كَوْنَهُ وَدَاعًا (قَوْلُهُ: رَدًّا عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْبَنْدَنِيجِيِّ وَالْعِمْرَانِيِّ

(قَوْلُهُ: بِأَنَّ الرُّقِيَّ مَطْلُوبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ) فِيهِ مُصَادَرَةٌ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَا يُسَلِّمُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>