كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا، اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ كَاَلَّذِي نَقُولُ وَخَيْرًا مِمَّا نَقُولُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَيُكَرِّرُ كُلَّ دُعَاءٍ ثَلَاثًا وَيَفْتَتِحُهُ بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَخْتِمُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ مَعَ التَّأْمِينِ، وَيُكْثِرُ مِنْ الْبُكَاءِ فَهُنَاكَ تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ وَتُقَالُ الْعَثَرَاتُ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَلْيَحْرِصْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ عَلَى الْحَلَالِ الْمُتَقَرَّبِ إنْ تَيَسَّرَ، وَإِلَّا فَمَا قَلَّتْ شُبْهَتُهُ فَإِنَّ الْمُتَكَفِّلَ بِاسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ هُوَ خُلُوصُ النِّيَّةِ وَحِلُّ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ مَعَ مَزِيدِ الْخُضُوعِ وَالِانْكِسَارِ، وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ، وَالْإِفْرَاطُ فِي الْجَهْرِ بِالدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ مَكْرُوهٌ، وَأَنْ يَبْرُزَ لِلشَّمْسِ إلَّا لِعُذْرٍ كَنَقْصِ دُعَاءٍ أَوْ اجْتِهَادٍ إذْ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَظَلَّ هُنَا مَعَ أَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ ظُلِّلَ عَلَيْهِ بِثَوْبٍ وَهُوَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ، وَأَنْ يُفْرِغَ قَلْبَهُ مِنْ الشَّوَاغِلِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَنْ يَتَجَنَّبَ الْوُقُوفَ فِي الطَّرِيقِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ بِعَرَفَةَ مُتَطَهِّرًا مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَاكِبًا، وَلْيَحْذَرْ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَالْكَلَامِ الْمُبَاحِ مَا أَمْكَنَهُ وَانْتِهَارِ السَّائِلِ وَاحْتِقَارِ أَحَدٍ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي التَّعْرِيفِ بِغَيْرِ عَرَفَةَ، وَكَرِهَهُ آخَرُونَ كَمَالِكٍ لَكِنَّهُمْ لَمْ يُلْحِقُوهُ بِفَاحِشَاتِ الْبِدَعِ بَلْ يُخَفِّفُ أَمْرَهُ إذَا خَلَا عَنْ اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ أَفْحَشِهَا (فَإِذَا غَرُبَتْ الشَّمْسُ) يَوْمَ عَرَفَةَ (قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ) مَارِّينَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ وَعَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ وَهِيَ كُلُّهَا مِنْ الْحَرَمِ، وَحَدُّهَا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِازْدِلَافِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يَتَقَرَّبُونَ مِنْهَا إلَى مِنًى، وَالِازْدِلَافُ: التَّقْرِيبُ، وَتُسَمَّى أَيْضًا جَمْعًا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا (وَأَخَّرُوا الْمَغْرِبَ لِيُصَلُّوهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ جَمْعًا) لِلِاتِّبَاعِ وَهُوَ لِلسَّفَرِ كَمَا مَرَّ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ نَدْبَ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا، وَقَيَّدَهُ جَمْعٌ تَبَعًا لِلنَّصِّ بِمَا إذَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلْعِشَاءِ فَإِنْ خَشِيَهُ صَلَّى بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَعَلَّ إطْلَاقَ الْأَكْثَرِينَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُصَلُّوا قَبْلَ حَطِّ رِحَالِهِمْ بِأَنْ يُنِيخَ كُلٌّ جَمَلَهُ وَيَعْقِلَهُ ثُمَّ يُصَلُّونَ لِلِاتِّبَاعِ.
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَيُصَلِّي كُلٌّ رَوَاتِبَ الصَّلَاتَيْنِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ الْجُمُعَةِ وَلَا يَتَنَفَّلُ نَفْلًا مُطْلَقًا، وَيَتَأَكَّدُ إحْيَاءُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ لَهُمْ كَغَيْرِهِمْ بِالذِّكْرِ وَالشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْحِرْصِ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ لِلِاتِّبَاعِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسَافَةَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا) أَيْ اهْتِدَاءً لِلْحَقِّ (قَوْلُهُ: وَفِي بَصَرِي نُورًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ أَعْمَى (قَوْلُهُ وَالتَّمْجِيدُ) أَيْ التَّعْظِيمُ (قَوْلُهُ: تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ) أَيْ الدُّمُوعُ (قَوْلُهُ: إلَّا لِعُذْرٍ كَنَقْصِ دُعَاءٍ) أَيْ لِمَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الشَّمْسُ مِنْ الْبُرُوزِ لَهَا (قَوْلُهُ: مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ رَاكِبًا) أَيْ حَيْثُ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى تَيَسَّرَ لَهَا الرُّكُوبُ فِي الْهَوْدَجِ لِمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ أَمَّا الْأُنْثَى فَيُنْدَبُ لَهَا الْجُلُوسُ إلَخْ (قَوْلُهُ: إلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي التَّعْرِيفِ) مُعْتَمَدٌ وَهُوَ جَمْعُ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِلدُّعَاءِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ عَرَفَةَ (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَنَفَّلُ نَفْلًا مُطْلَقًا) أَيْ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ ذَلِكَ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ كَمَا فِي رِوَايَاتٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا بَأْسَ بِهِ) يَنْبَغِي تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ إلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي التَّعْرِيفِ بِغَيْرِ عَرَفَةَ، وَإِلَّا فَهُوَ يُوهِمُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بِهِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَرْجِعُ إلَى نَفْيِ الْكَرَاهَةِ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ لِأَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي أَصْلِ التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَالِازْدِلَافُ التَّقْرِيبُ) كَذَا فِي النُّسَخِ بِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ قَبْلَ الْبَاءِ، وَلَعَلّ هَا زَائِدَةٌ مِنْ الْكَتَبَةِ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ حَذْفُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ آنِفًا، عَلَى أَنَّ هَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ ذَاكَ، ثُمَّ رَأَيْتهَا مَحْذُوفَةً فِي نُسْخَةٍ (قَوْلُهُ: كَغَيْرِهِمْ) أَيْ وَإِنْ زَادَ غَيْرُهُمْ بِصَلَاةِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ الْمَنْفِيِّ عَنْهُمْ فِيمَا مَرَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute