للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى كُلٍّ مِنْ عَرَفَةَ وَمِنًى فَرْسَخٌ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ

(وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ (حُضُورُهُ) أَيْ الْمُحْرِمُ أَدْنَى لَحْظَةٍ بَعْدَ زَوَالِ يَوْمِ عَرَفَةَ (بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ) لِخَبَرِ «وَقَفْت هَهُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحُدُودُ عَرَفَةَ مَعْرُوفَةٌ وَلَيْسَ مِنْهَا نَمِرَةُ وَلَا عُرَنَةَ، وَدَلِيلُ الْوُقُوفِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُكْثُ بِهَا كَمَا قَالَ (وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ) كَغَرِيمٍ وَدَابَّةٍ شَارِدَةٍ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ صَرْفُهُ لِجِهَةٍ أُخْرَى وَلَا جَهْلُهُ بِالْبُقْعَةِ أَوْ الْيَوْمِ.

(وَ) لَكِنْ (يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) مُحْرِمًا (أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ) إذَا أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ (لَا مُغْمًى عَلَيْهِ) جَمِيعُ وَقْتِ الْوُقُوفِ كَمَا فِي الصَّوْمِ، لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلْعِبَادَةِ فَيَقَعُ حَجُّ الْمَجْنُونِ نَفْلًا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ، وَمِثْلُهُ سَكْرَانُ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ فَزَالَ لِدُخُولِهِ فِي الْجُنُونِ وَإِنْ تَعَدَّى بِسُكْرِهِ، بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ حَجُّهُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ وَلِيٌّ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الْمَجْنُونُ (وَلَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: حُضُورُهُ بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ) [فَرْعٌ] شَجَرَةٌ أَصْلُهَا بِعَرَفَةَ خَرَجَتْ أَغْصَانُهَا لِغَيْرِهَا هَلْ يَصِحُّ الْوُقُوفُ عَلَى الْأَغْصَانِ كَمَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ عَلَى أَغْصَانِ شَجَرَةٍ خَرَجَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي أَصْلُهَا فِيهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيُتَّجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَلَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ فَكَانَ أَصْلُ الشَّجَرَةِ خَارِجَةً وَأَغْصَانُهَا دَاخِلَةً فَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا وَيُتَّجَهُ الصِّحَّةُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ.

وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ مَا لَوْ طَارَ فِي هَوَاءِ عَرَفَةَ، ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى حَجّ نَقَلَ مِثْلَهُ عَنْ مَرَّ، وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ طَارَ فِي الْهَوَاءِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُهُ وَبَيْنَ مَنْ وَقَفَ عَلَى الْأَغْصَانِ الدَّاخِلَةِ فِي الْحَرَمِ فَيَصِحُّ بِأَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ فِي نَفْسِهِ عَلَى جِرْمٍ فِي هَوَاءِ عَرَفَةَ فَأَشْبَهَ الْوَاقِفَ فِي أَرْضِهِ هَذَا، وَلَكِنْ نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ فِي حَوَاشِي التَّحْرِيرِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ.

أَقُولُ: وَلَوْ قِيلَ بِالصِّحَّةِ فِي الصُّورَتَيْنِ تَنْزِيلًا لِهَوَائِهِ مَنْزِلَةَ أَرْضِهِ لَمْ يَبْعُدْ

(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ) أَيْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَجَمَعَهُ بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِهِ وَلَوْ قَالَ أَهْلِيَّتِهِ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ الْإِغْمَاءُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَعَ حَجُّهُ صَحِيحًا وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مُدَّةِ الْوُقُوفِ.

قَالَ حَجّ: وَيَبْطُلُ الْفَرْقُ عَلَى مَا يَأْتِي أَوَائِلَ الْحَجْرِ أَنَّهُ يُوَلَّى عَلَيْهِ إذَا أَيِسَ مِنْ إفَاقَتِهِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ وَالْمَجْنُونُ سَوَاءٌ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ.

وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ) ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْهَوَاءُ كَأَنْ مَرَّ بِهَا طَائِرًا وَكَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاعْتِكَافِ أَنَّ الْمَسْجِدَ يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، بِخِلَافِ عَرَفَةَ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ نَفْسُ الْبُقْعَةِ، وَلَمْ أَرَ لَهُمْ تَصْرِيحًا بِأَنَّ لِهَوَائِهَا حُكْمَهَا فَلْيُرَاجَعْ ثُمَّ رَأَيْت سم نَقَلَ عَنْ الشَّارِحِ عَدَمَ الصِّحَّةِ

(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ) عِبَارَةُ الْإِمْدَادِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ هَذِهِ عَقِبَ قَوْلِ الْإِرْشَادِ وَلَوْ بِنَوْمٍ لَا إغْمَاءٍ نَصُّهَا: أَوْ جُنُونٍ أَوْ سُكْرٍ كَمَا فِي الصَّوْمِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا إلَخْ فَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ، فَلَعَلَّ الْأَخِيرَ سَقَطَ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ مِنْ الْكَتَبَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْإِمْدَادِ عَقِبَ مَا مَرَّ: فَيَقَعُ حَجٌّ مِنْ الْمَجْنُونِ نَفْلًا كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ، فَيَبْنِي الْوَلِيُّ بَقِيَّةَ الْأَعْمَالِ عَلَى إحْرَامِهِ السَّابِقِ، وَقِيلَ لَا يَقَعُ وَأَطَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الِانْتِصَارِ لَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، فَصُورُ وُقُوعِهِ لِلْمَجْنُونِ نَفْلًا إذَا بَنَى لَهُ الْوَلِيُّ عَلَى إحْرَامِهِ السَّابِقِ، فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي حُضُورُ الْمَجْنُونِ بِنَفْسِهِ، وَكَأَنَّهُ إنَّمَا صَوَّرَهُ بِذَلِكَ لِقَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ رَدًّا عَلَى كَلَامِ التَّتِمَّةِ، وَاَلَّذِي تُفْهِمُهُ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَرَجَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ فَاتَهُ الْحَجُّ كَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ رَأْسًا، وَحُضُورُهُ عَرَفَةَ كَعَدَمِهِ، ثُمَّ سَاقَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ الصَّرِيحِ فِيمَا قَالَهُ، لَكِنْ فِي النَّصِّ الْمَذْكُورِ التَّصْرِيحُ بِمَا يَرُدُّ هَذَا التَّصْوِيرَ الَّذِي صَوَّرَ بِهِ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَتِهِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَ هَذَا التَّصْوِيرَ مِنْ تَشْبِيهِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ لِلْمَجْنُونِ الْمَذْكُورِ بِالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَلْيُرَاجَعْ وَلْيُحَرَّرْ، وَلْيُنْظَرْ مَا وَجْهُ التَّفْرِيعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>