للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوُقُوفُهُمْ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ وُقُوفِهِمْ بِغَيْرِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَمِنْ مُرُورِهِمْ مِنْ غَيْرِ وُقُوفٍ وَذَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى (وَدَعَوْا إلَى الْأَسْفَارِ) مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ وَيُكْثِرُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَمَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ صُعُودِ الْجَبَلِ وَقَفَ بِجَنْبِهِ، وَلَوْ فَاتَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ لَمْ تُجْبَرْ بِدَمٍ، وَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ كَمَا أَوْقَفْتنَا فِيهِ وَأَرَيْتنَا إيَّاهُ فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِك كَمَا هَدَيْتنَا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتنَا بِقَوْلِك وَقَوْلُك الْحَقُّ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٨] إلَى قَوْلِهِ {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٩٩] وَمِنْ جُمْلَةِ ذِكْرِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (ثُمَّ يَسِيرُونَ) قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَشِعَارُهُمْ التَّلْبِيَةُ وَالذِّكْرُ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ السَّيْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا وَجَدُوا فُرْجَةً أَسْرَعُوا، فَإِذَا بَلَغُوا وَادِيَ مُحَسِّرٍ وَرَاءَ مَوْضِعٍ فَاصِلٍ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى أَسْرَعَ كُلٌّ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ حَتَّى يَقْطَعَ عَرْضَ الْوَادِي «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ حَرَّكَ قَلِيلًا» وَبَعْدَ قَطْعِهِمْ وَادِيَ مُحَسِّرٍ يَسِيرُونَ بِسَكِينَةٍ (فَيَصِلُونَ مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) وَارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ (فَيَرْمِي كُلُّ شَخْصٍ) رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ وُصُولِهِ (سَبْعَ حَصَيَاتٍ) أَيْ رَمَيَاتٍ (إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) لِلِاتِّبَاعِ.

رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهُوَ تَحِيَّةُ مِنًى فَلَا يُبْتَدَأُ فِيهَا بِغَيْرِهِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْجَمْرَةُ الْكُبْرَى وَلَيْسَتْ مِنْ مِنًى بَلْ حَدُّ مِنًى مِنْ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ جِهَةَ مَكَّةَ، وَالسُّنَّةُ لِرَامِي هَذِهِ الْجَمْرَةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا وَيَجْعَلَ مَكَّةَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْجَمْرَةَ وَيَسْتَدْبِرُ الْكَعْبَةَ، هَذَا فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ.

أَمَّا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْجَمَرَاتِ وَيَحْسُنُ إذَا وَصَلَ إلَى مِنًى أَنْ يَقُولَ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: اللَّهُمَّ هَذِهِ مِنًى قَدْ أَتَيْتُهَا وَأَنَا عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك أَسْأَلُك أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِمَا مَنَنْت بِهِ عَلَى أَوْلِيَائِك، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْحِرْمَانِ وَالْمُصِيبَةِ فِي دِينِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا لَمَّا رَمَيَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَالَا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا.

(وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَهُ دَخْلٌ فِي التَّحَلُّلِ لِأَخْذِهِ فِي أَسْبَابِهِ، كَمَا أَنَّ الْمُعْتَمِرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ طَوَافِهِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنْ يَقْطَعَهَا عِنْدَ أَوَّلِ أَسْبَابِ تَحَلُّلِهِ (وَيُكَبِّرُ) بَدَلَ التَّلْبِيَةِ (مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) أَيْ رَمْيَةٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَيُسَنُّ أَنْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالشَّعَائِرِ (قَوْلُهُ: الْمُحْرِمُ) بِمَعْنَى الْمَمْنُوعِ مِنْ انْتِهَاكِهِ جَاهِلِيَّةً وَإِسْلَامًا (قَوْلُهُ: مُحَسِّرٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الْفِيلِ حُسِّرَ فِيهِ: أَيْ أُعْيِيَ وَكَلَّ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: ٤] انْتَهَى شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ، وَعِبَارَةُ حَجّ هُوَ أَعْنِي: مُحَسِّرٌ مَا بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى اهـ.

فَلَعَلَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَحْذُوفٌ وَالْأَصْلُ وَرَاءَهَا وَهُوَ مَوْضِعٌ إلَخْ (قَوْلُهُ حُرِّكَ قَلِيلًا) وَالْحِكْمَةُ فِيهِ عَلَى مَا قِيلَ أَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي حُسِّرَ فِيهِ الْفِيلُ وَرُمِيَ أَصْحَابُ الْفِيلِ فِيهِ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ مَا نَصُّهُ: وَحِكْمَتُهُ أَنَّ أَصْحَابَ الْفِيلِ أُهْلِكُوا، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ الْأَصَحِّ خِلَافُهُ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا الْحَرَمَ وَإِنَّمَا أُهْلِكُوا قُرْبَ أَوَّلِهِ هـ، وَأَنَّ رَجُلًا اصْطَادَ ثَمَّ فَنَزَلَتْ نَارٌ أَحْرَقَتْهُ وَمِنْ ثَمَّ تُسَمِّيهِ أَهْلُ مَكَّةَ وَادِي النَّارِ، فَهُوَ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ نُزُولِ عَذَابٍ كَدِيَارِ ثَمُودَ الَّتِي صَحَّ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَارِّينَ بِهَا أَنْ يُسْرِعُوا لِئَلَّا يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَ أَهْلَهَا، وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي الْإِسْرَاعُ فِيهِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ أَيْضًا، أَوْ أَنَّ النَّصَارَى كَانَتْ تَقِفُ ثَمَّ وَأُمِرْنَا بِالْمُبَالَغَةِ فِي مُخَالَفَتِهِمْ

(قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوُهُ) كَالْحَلْقِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَمِنْ جُمْلَةِ ذِكْرِهِ) يَصِحُّ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ تَعَالَى وَإِلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَإِلَى الشَّخْصِ وَهُوَ أَضْعَفُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>