الْمَذْكُورُ يُنَازِعُ فِيهِ.
. وَلَوْ خُلِقَ لَهُ رَأْسَانِ فَحَلَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْعُمْرَةِ وَالْآخَرَ فِي الْحَجِّ لَمْ يُكْرَهْ لِانْتِفَاءِ الْقَزَعِ، ثُمَّ مَحَلُّ أَفْضَلِيَّةِ الْحَلْقِ مَا لَمْ يَنْذُرْهُ، فَإِنْ نَذَرَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ تَعَيَّنَ وَلَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ قُرْبَةٌ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى وَلَوْ اسْتَأْصَلَهُ بِمَا لَا يُسَمَّى حَلْقًا حَصَلَ بِهِ التَّحَلُّلُ وَإِنْ أَثِمَ وَلَزِمَهُ دَمٌ كَمَا لَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ فَرَكِبَ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ لَوْ طَلَعَ شَعْرُهُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ النُّسُكَ إنَّمَا هُوَ إزَالَةُ شَعْرٍ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ، ثُمَّ نَاذِرُ الْحَلْقِ قَدْ يُطْلِقْهُ كَعَلَيَّ الْحَلْقُ أَوْ أَنْ أَحْلِقَ فَيَكْفِيهِ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ، وَقَدْ يُصَرِّحُ بِالِاسْتِيعَابِ فَيَلْزَمُهُ حَلْقُ الْجَمِيعِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ حَلْقُ رَأْسِي فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْعُرْفِ تُفِيدُ الْعُمُومَ وَبِهِ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْآيَةِ، وَيَكْفِي فِي الْحَلْقِ الْوَاجِبِ مُسَمَّاهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِمْعَانُ فِي الِاسْتِئْصَالِ وَيَقْرُبُ الرُّجُوعُ إلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ رُؤْيَةِ الشَّعْرِ قَالَهُ الْإِمَامُ.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ رُؤْيَتُهُ لِذِي النَّظَرِ الْمُعْتَدِلِ عَنْ قُرْبِهِ مِنْ الرَّأْسِ (وَالْحَلْقُ) أَيْ إزَالَةُ شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ التَّقْصِيرُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فِي وَقْتِهِ (نُسُكٌ عَلَى الْمَشْهُورِ) فَيُثَابُ عَلَيْهِ إذْ هُوَ لِلذَّكَرِ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ، وَالتَّفْضِيلُ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْعِبَادَاتِ دُونَ الْمُبَاحَاتِ وَعَلَى هَذَا هُوَ رُكْنٌ كَمَا سَيَأْتِي وَقِيلَ وَاجِبٌ، وَالثَّانِي هُوَ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ فَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ فِي الْإِحْرَامِ فَلَمْ يَكُنْ نُسُكًا كَلُبْسِ الْمَخِيطِ (وَأَقَلُّهُ) أَيْ إزَالَةُ شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ التَّقْصِيرِ (ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ) مِنْ رَأْسِهِ فَلَا يُجْزِئُ شَعْرُ غَيْرِهِ وَإِنْ وَجَبَتْ فِيهِ الْفِدْيَةُ أَيْضًا لِوُرُودِ لَفْظِ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فِيهِ وَاخْتِصَاصُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَادَةً بِشَعْرِ الرَّأْسِ وَشَمِلَ ذَلِكَ الْمُسْتَرْسِلَ عَنْهُ وَمَا لَوْ أَخَذَهَا مُتَفَرِّقَةً كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمَنَاسِكِ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّوْضَةِ خِلَافَهُ حَيْثُ بَنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ عَدَمِ تَكْمِيلِ الدَّمِ بِإِزَالَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ إذْ يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاتِّحَادُ فِي التَّصْحِيحِ نَعَمْ يَزُولُ بِالتَّفْرِيقِ الْفَضِيلَةُ وَالْأَحْوَطُ تَوَالِيهَا وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: ٢٧] وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْلِقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا» وَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِحُصُولِ أَقَلِّ مُسَمَّى اسْمِ الْجِنْسِ الْجَمْعِيِّ الْمُقَدَّرِ فِي مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ: أَيْ شَعْرًا لِرُءُوسِكُمْ، إذْ هِيَ لَا تُحْلَقُ، وَأَقَلُّ مُسَمَّاهُ ثَلَاثٌ، وَلَا يُعَارِضُهُ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُقْتَضِي لِلتَّعْمِيمِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْأَفْضَلِ، وَاسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَامَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّعْمِيمِ صَحِيحٌ، إذْ الْمُرَادُ بِهِ إجْمَاعُ الْخَصْمَيْنِ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي إجْمَاعَ الْكُلِّ خِلَافًا لِمَنْ فَهِمَ ذَلِكَ فَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي الِاسْتِثْنَاءِ
(قَوْلُهُ: لَمْ يُكْرَهْ لِانْتِفَاءِ الْقَزَعِ) هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ أَصْلِيَّيْنِ وَإِلَّا فَفِيهِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَأْصَلَهُ) أَيْ أَزَالَهُ جَمِيعًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَثِمَ) أَيْ حَيْثُ نَذَرَهُ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ أَمَّا إذَا لَمْ يَنْذُرْهُ فَالْوَاجِبُ مُجَرَّدُ الْإِزَالَةِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: تُفِيدُ الْعُمُومَ) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي إفَادَةِ مَا ذُكِرَ لِلْعُمُومِ مَعَ عَدَمِ إفَادَةِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ لِلْإِيجَابِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ مُجَرَّدُ مُلَاحَظَةِ الْفَرْضِيَّةِ مُوجِبَةٌ لِلْعُمُومِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الْعُمُومُ هُنَا (قَوْلُهُ: ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي أَوْ تَقْصِيرًا (قَوْلُهُ: فَلَا يُجْزِئُ شَعْرُ غَيْرِهِ إلَخْ) قِيَاسُ مَا فِي الْوُضُوءِ أَنَّهُ لَوْ خُلِقَ لَهُ رَأْسَانِ فَإِنْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ اكْتَفَى بِإِزَالَةِ الشَّعْرِ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ عُلِمَتْ زِيَادَةُ أَحَدِهِمَا لَمْ يَكْفِ الْأَخْذُ مِنْهُ وَإِنْ اشْتَبَهَ وَجَبَ الْأَخْذُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ ذَلِكَ الْمُسْتَرْسِلَ) أَيْ فَيَكْفِي وَإِنْ طَالَ (قَوْلُهُ: أَوْ تَقْصِيرًا) فَسَّرَهُ فِي الْقَامُوسِ بِأَنَّهُ كَفُّ الشَّعْرِ، وَالْقَصُّ بِأَنَّهُ الْأَخْذُ مِنْهُ بِالْمِقَصِّ: أَيْ الْمِقْرَاضِ، فَعَطْفُهُ عَلَيْهِ الْآتِي مِنْ عَطْفِ الْأَخَصِّ تَأْكِيدًا، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ التَّقْصِيرَ حَيْثُ أُطْلِقَ فِي كَلَامِهِمْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَخْذُ مِنْ الشَّعْرِ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَمَا لَوْ أَخَذَهَا مُتَفَرِّقَةً) أَيْ فِي الزَّمَانِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ) التَّرْجِيحُ لَا يُنَاسِبُ مَا صَدَّرَ بِهِ الْعِبَارَةَ مِنْ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الرَّوْضَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَدَّلَ الِاقْتِضَاءُ بِالْإِيهَامِ أَوْ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ شَعْرًا لِرُءُوسِكُمْ) إنَّمَا لَمْ يُقَدِّرْ الْمَحْذُوفَ مُضَافًا فِرَارًا مِنْ زَعْمِ الْإِسْنَوِيِّ الْآتِي، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute