للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحْمَدَ وَغَيْرَهُ قَائِلُونَ بِوُجُوبِهِ، وَزَعَمَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ؛ لِأَنَّ شَعْرَ الْمُقَدَّرِ فِيهَا مُضَافٌ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَخْذُ شَعْرَةٍ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ نُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُجْزِي أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ شَعْرَةٌ أَوْ شَعْرَتَانِ فَقَطْ كَانَ الرُّكْنُ فِي حَقِّهِ إزَالَةُ ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَيَكْفِي فِي الْإِزَالَةِ أَخْذُ الشَّعْرِ (حَلْقًا أَوْ تَقْصِيرًا أَوْ نَتْفًا أَوْ إحْرَاقًا أَوْ قَصًّا) أَوْ أَخْذُهُ بِنُورَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِزَالَةُ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَرِيقٌ إلَيْهَا (وَمَنْ لَا شَعْرَ) كَائِنٌ (بِرَأْسِهِ) أَوْ بَعْضِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنْ خُلِقَ كَذَلِكَ أَوْ كَانَ قَدْ حَلَقَ وَاعْتَمَرَ مِنْ سَاعَتِهِ كَمَا مَثَّلَهُ الْعُمْرَانِيُّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

نَعَمْ (يُسْتَحَبُّ) لَهُ (إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ) إنْ كَانَ ذَكَرًا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَوْ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ أَوْ شَارِبِهِ شَيْئًا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ لِئَلَّا يَخْلُوَ عَنْ أَخْذِ الشَّعْرِ، وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّ سَائِرَ مَا يُزَالُ لِلْفِطْرَةِ كَذَلِكَ، بَلْ الْوَجْهُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِمَا يُزَالُ فِيهَا، وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُقَصِّرِ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَصَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ قَصَّ أَظْفَارَهُ» : أَيْ فَيُسَنُّ لِلْحَالِقِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ مَسْحُ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَ فَقْدِ شَعْرِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَعَلَّقَ ثَمَّ بِالرَّأْسِ وَهُنَا بِشَعْرِهِ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ أَخْذِهِ لِنَحْوِ جِرَاحَةٍ صَبَرَ إلَى قُدْرَتِهِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ، وَيُسَنُّ لِلْحَالِقِ الْبُدَاءَةُ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَسْتَوْعِبُهُ بِالْحَلْقِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْمَحْلُوقُ الْقِبْلَةَ وَأَنْ يُكَبِّرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَأَنْ يَدْفِنَ شَعْرَهُ لَا سِيَّمَا الْحَسَنُ لِئَلَّا يُؤْخَذَ لِلْوَصْلِ، وَأَنْ يَسْتَوْعِبَ الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَ كَمَالِ الرَّمْيِ، وَغَيْرُ الْمُحْرِمِ مِثْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ غَيْرَ التَّكْبِيرِ، وَأَنْ يَبْلُغَ بِالْحَلْقِ إلَى الْعَظْمَتَيْنِ مِنْ الْأَصْدَاغِ، وَأَنْ لَا يُشَارِطَ عَلَيْهِ وَأَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ ظُفْرِهِ عِنْدَ فَرَاغِهِ، وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ: اللَّهُمَّ آتِنِي بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٍ، وَامْحُ عَنِّي بِهَا سَيِّئَةً، وَارْفَعْ لِي بِهَا دَرَجَةً، وَاغْفِرْ لِي وَلِلْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.

(فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ طَوَافَ الرُّكْنِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَدْرَ رُمْحٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِمِقَصٍّ أَوْ غَيْرِهِ اهـ حَجّ وَعِبَارَةُ الْقَامُوسِ: كَفَّ مِنْهُ: أَيْ أَخَذَ وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ التَّقْصِيرَ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ ذَكَرًا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْأُنْثَى لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّ لَهَا ذَلِكَ أَيْضًا كَالرَّجُلِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا (قَوْلُهُ لِلْفِطْرَةِ) أَيْ الْخِلْقَةِ وَالْمُرَادُ مَا يُزَالُ لِتَحْسِينِ الْهَيْئَةِ (قَوْلُهُ: لِنَحْوِ جِرَاحَةٍ) أَيْ يُتَوَقَّعُ زَوَالُهَا عَنْ قُرْبٍ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ لِلْحَالِقِ) أَيْ مُطْلَقًا مُحْرِمًا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُكَبِّرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ حَالَ الْحَلْقِ.

وَفِي الدَّمِيرِيِّ مَا نَصُّهُ: وَأَنْ يُكَبِّرَ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي مُثِيرِ الْغَرَامِ السَّاكِنِ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ قَالَ: أَخْطَأْت فِي حَلْقِ رَأْسِي فِي خَمْسَةِ أَحْكَامٍ عَلَّمَنِيهَا حَجَّامٌ، وَذَلِكَ أَنِّي أَتَيْت إلَى حَجَّامٍ بِمِنًى فَقُلْت لَهُ: بِكَمْ تَحْلِقُ رَأْسِي؟ فَقَالَ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ قُلْت نَعَمْ، قَالَ: النُّسُكُ لَا يُشَارَطُ عَلَيْهِ، قَالَ فَجَلَسْت مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ فَقَالَ لِي: حَوِّلْ وَجْهَك إلَى الْقِبْلَةِ، فَحَوَّلْته وَأَدَرْتُهُ أَنْ يَحْلِقَ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَقَالَ لِي: أَدِرْ الْيَمِينَ فَأَدَرْتُهُ فَجَعَلَ يَحْلِقُ وَأَنَا سَاكِتٌ، فَقَالَ: كَبِّرْ كَبِّرْ، فَكَبَّرْت فَلَمَّا فَرَغْت قُمْت لِأَذْهَبَ فَقَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ امْضِ.

قُلْت لَهُ: مِنْ أَيْنَ مَا أَمَرْتنِي بِهِ؟ قَالَ: رَأَيْت عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَفْعَلُهُ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ.

(قَوْلُهُ: غَيْرُ التَّكْبِيرِ) أَيْ وَغَيْرُ الرَّمْيِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يُشَارِطَ عَلَيْهِ) أَيْ أَنْ لَا يَشْرِطَ لِلْحَالِقِ أُجْرَةً مَعْلُومَةً، وَعِبَارَةُ حَجّ كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

بَيَانُ أَنَّ الْإِضَافَةَ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَمَّا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْضَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ) مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ الشَّعْرَ لَوْ كَانَ بِبَعْضِ رَأْسِهِ فَقَطْ يُسَنُّ لَهُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ سِيَاقُهُ الْمَذْكُورُ غَيْرَ صَحِيحٍ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُقَصِّرِ أَيْضًا إلَخْ) هَذَا لَيْسَ فِي خُصُوصِ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ كَوْنِهِ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>