ثُمَّ يَنْحَرَ ثُمَّ يَحْلِقَ، ثُمَّ يَطُوفَ ضَحْوَةً وَلِهَذَا الطَّوَافِ أَسْمَاءٌ غَيْرُ ذَلِكَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَهُ مِنْ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ مِنْ زَمْزَمَ لِلِاتِّبَاعِ (وَسَعَى) بَعْدَهُ (إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى) بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا مَرَّ وَهَذَا السَّعْيُ رُكْنٌ كَمَا سَيَأْتِي (ثُمَّ يَعُودُ) مِنْ مَكَّةَ (إلَى مِنًى) قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِحَيْثُ يُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ» فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ صَلَّى بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا ثَانِيًا إمَامًا لِأَصْحَابِهِ كَمَا صَلَّى بِهِمْ فِي بَطْنِ نَخْلٍ مَرَّةً بِطَائِفَةٍ وَمَرَّةً بِأُخْرَى، فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ صَلَاتَهُ بِمِنًى وَجَابِرٌ صَلَاتَهُ بِمَكَّةَ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى اللَّيْلِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَ طَوَافَ نِسَائِهِ وَذَهَبَ مَعَهُنَّ (وَهَذَا) الَّذِي يُفْعَلُ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ (الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهَا) (كَمَا ذَكَرْنَا) وَلَا يَجِبُ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إنِّي أَفَضْت إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ يَوْمئِذٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» (وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا) مَا سِوَى ذَبْحِ الْهَدْيِ (بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) لِمَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرْسَلَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَفَاضَتْ» وَقِيسَ الطَّوَافُ وَالْحَلْقُ عَلَى الرَّمْيِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّقَ الرَّمْيَ بِمَا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَهُوَ صَالِحٌ لِجَمِيعِ اللَّيْلِ وَلَا ضَابِطَ لَهُ، فَجَعَلَ النِّصْفَ ضَابِطًا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ مِمَّا قَبْلَهُ؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَلِأَذَانِ الصُّبْحِ فَكَانَ وَقْتًا لِلرَّمْيِ كَمَا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا إلَى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلِاتِّبَاعِ، أَمَّا إذَا فَعَلَهَا بَعْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ وَقَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا، وَأَمَّا ذَبْحُ الْهَدْيِ الْمَسُوقِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي.
(وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ إلَى آخِرِ يَوْمِ النَّحْرِ) لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي رَمَيْت بَعْدَمَا أَمْسَيْت، فَقَالَ: لَا حَرَجَ» وَالْمَسَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ خُرُوج وَقْتِهِ بِالْغُرُوبِ مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، وَإِلَّا فَلَوْ أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ إلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَقَعَ أَدَاءً، وَصَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ وَقْتَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُعْطِيهِ ابْتِدَاءً مَا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُهُ فَإِنْ رَضِيَ وَإِلَّا زَادَهُ، لَا أَنَّهُ يَسْكُتُ إلَى فَرَاغِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ نِزَاعٌ إذَا لَمْ يَرْضَ الْحَلَّاقُ بِمَا يُعْطِيهِ لَهُ
(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا الطَّوَافِ أَسْمَاءٌ) مِنْهَا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ وَطَوَافُ الْفَرْضِ وَطَوَافُ الصَّدَرِ بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ اهـ شَرْحُ الْمُهَذَّبِ (قَوْلُهُ: فَرَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ) أَيْ بِأَمْرٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: وَهُوَ صَالِحٌ) أَيْ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ
[حاشية الرشيدي]
بَلْ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ حُكْمٌ عَامٌّ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي فِي الْجَمْعِ (قَوْلُهُ وَهِيَ الرَّمْيُ إلَخْ) هَذَا الْحَلُّ مِنْ الشَّارِحِ يُوجِبُ أَنْ يَصِيرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُسَنُّ تَرْتِيبُهَا الَّذِي كَانَ خَبَرًا لِهَذَا فِي كَلَامِهِ خَبَرًا ثَانِيًا لِقَوْلِهِ هُوَ وَهِيَ وَخَبَرُهُ الْأَوَّلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الرَّمْيُ (قَوْلُهُ: وَقِيسَ الطَّوَافُ وَالْحَلْقُ إلَخْ) كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِي مَحَلٍّ لَكِنَّهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ سَاقَ خَبَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أُمَّ سَلَمَةَ لِتَطُوفَ قَبْلَ الْفَجْرِ» ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُقَالُ: الطَّوَافُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَصْرَحُ مِنْ الرَّمْيِ فَهَلَّا جُعِلَ أَصْلًا، وَقِيسَ عَلَيْهِ هَلْ يُحْتَاجُ لِلْقِيَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ عَلَى أَنَّ النَّصَّ هُنَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ كَمَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ مُتَعَلِّقٌ بِبَعَثَ (قَوْلُهُ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّقَ إلَخْ) فِيهِ أَنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَلِّقْ، بَلْ الَّذِي فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ أَرْسَلَ أُمَّ سَلَمَةَ فَوَقَعَ أَنَّهَا رَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute