للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِجَنْبِ الْمِنْبَرِ وَشَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ فَرَاغِهِمَا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ فَيَسْتَقْبِلُ رَأْسَهُ وَيَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ وَيَبْعُدَ عَنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ وَيَقِفُ نَاظِرًا إلَى أَسْفَلَ مَا يَسْتَقْبِلُهُ فِي مَقَامِ الْهَيْبَةِ وَالْإِجْلَالِ فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ عَلَائِقِ الدُّنْيَا وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَبَرِ «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» وَأَقَلُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ تَأَدُّبًا مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى صَوْبِ يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ آخَرَ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ الشَّرِيفَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَتَاهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلْيَسْتَشْفِعْ بِهِ إلَى رَبِّهِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَأْتِيَ سَائِرَ الْمَشَاهِدِ بِالْمَدِينَةِ، وَهِيَ نَحْوُ ثَلَاثِينَ مَوْضِعًا يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْمَدِينَةَ. وَيُسَنُّ زِيَارَةُ الْبَقِيعِ وَقُبَاءَ، وَأَنْ يَأْتِيَ بِئْرَ أَرِيسٍ فَيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْآبَارِ السَّبْعَةِ وَقَدْ نَظَّمَهَا بَعْضُهُمْ، فَقَالَ:

أَرِيسٌ وَغَرْسٌ رُومَةٌ وَبُضَاعَةٌ ... كَذَا بَصَّةٌ قُلْ بِئْرُ جَامِعِ الْعِهْنِ

وَيَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ فَالصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ، وَلْيَحْذَرْ مِنْ الطَّوَافِ بِقَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْحُجْرَةِ بِقَصْدِ تَعْظِيمِهِ وَيُكْرَهُ إلْصَاقُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَمَسْحُهُ بِالْيَدِ وَتَقْبِيلُهُ، بَلْ الْأَدَبُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ وَيُسَنُّ أَنْ يَصُومَ بِالْمَدِينَةِ مَا أَمْكَنَهُ، وَأَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى جِيرَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُقِيمِينَ وَالْغُرَبَاءِ بِمَا أَمْكَنَهُ، وَإِذَا أَرَادَ السَّفَرَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُوَدِّعَ الْمَسْجِدَ بِرَكْعَتَيْنِ، وَيَأْتِيَ الْقَبْرَ الشَّرِيفَ وَيُعِيدَ السَّلَامَ الْأَوَّلَ وَيَقُولَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَسِّرْ لِي الْعَوْدَ إلَى الْحَرَمَيْنِ سَبِيلًا سَهْلًا وَارْزُقْنِي الْعَفْوَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَشُكْرُ اللَّهِ) أَيْ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لَوْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ: سَلِّمْ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ قَالَ لَهُ سَلِّمْ عَلَى فُلَانٍ أَوْ يُفَرِّقَ؟ وَالْفَرْقُ أَقْرَبُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّلَامِ بَيْنَ النَّاسِ التَّوَدُّدُ وَالْمَحَبَّةُ، وَالْمُرَادُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّفَاعَةُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ عِنْدَهُ اهـ كَذَا بِهَامِشٍ عَنْ حَجّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ.

وَعِبَارَتُهُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالدُّرِّ الْمُنَظَّمِ فِي زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُعَظَّمِ نَصُّهَا: وَأَمَّا إرْسَالُ السَّلَامِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْقَصْدُ مِنْهُ الِاسْتِمْدَادُ مِنْهُ وَعَوْدُ الْبَرَكَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَتَرْكُهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا عَدَمُ اكْتِسَابِ فَضِيلَةٍ لِلْغَيْرِ فَلَمْ يَكُنْ لِتَحْرِيمِهِ سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ فَاتَّجَهَ أَنَّ ذَلِكَ التَّبْلِيغَ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ.

فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا بِأَنَّ تَفْوِيتَ الْفَضَائِلِ عَلَى الْغَيْرِ حَرَامٌ كَإِزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ قُلْت: هَذَا اشْتِبَاهٌ، إذْ فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ عَدَمِ اكْتِسَابِ الْفَضِيلَةِ لِلْغَيْرِ وَتَفْوِيتِ الْفَضِيلَةِ الْحَاصِلَةِ عَلَى الْغَيْرِ فَمِنْ ثَمَّ حَرُمَ هَذَا التَّفْوِيتُ وَلَمْ يَحْرُمْ بِتَرْكِ ذَلِكَ الِاكْتِسَابِ فَافْهَمْهُ اهـ.

وَفِيمَا عَلَّلَ بِهِ وَقْفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ لَيْسَ شَافِعًا بَلْ مَأْمُورٌ بِالتَّبْلِيغِ لِمَنْ يَشْفَعُ، فَحَيْثُ الْتَزَمَ ذَلِكَ وَلَمْ يُؤَدِّهِ فَالْقِيَاسُ وُجُوبُ التَّبْلِيغِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ الْتَزَمَ إيصَالَهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي) أَيْ نُطْقِي فَلَا يُرَدُّ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ (قَوْلُهُ وَتَقْبِيلُهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّعْظِيمَ، لَكِنْ مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ بَعْدَ نَقْلِ كَرَاهَةِ تَقْبِيلِ التَّابُوتِ مَا نَصُّهُ: نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِتَقْبِيلِ أَضْرِحَتِهِمْ التَّبَرُّكَ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَيَحْتَمِلُ مَجِيءَ ذَلِكَ هُنَا، وَيَحْتَمِلُ الْفَرْقَ بِأَنَّهُمْ حَافَظُوا عَلَى التَّبَاعُدِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالنَّصَارَى هُنَا حَيْثُ بَالَغُوا فِي تَعْظِيمِ عِيسَى حَتَّى ادَّعَوْا فِيهِ مَا ادَّعَوْا، وَمِنْ ثَمَّ حَذَّرُوا كُلَّ التَّحْذِيرِ مِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْحُجْرَةِ بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ. .

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>