للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً» فَلِتَطْيِيبِ قُلُوبِ أَصْحَابِهِ لِمَا حَزِنُوا عَلَى عَدَمِ مُوَافَقَتِهِ عِنْدَ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالِاعْتِمَارِ لِعَدَمِ الْهَدْيِ وَالْمُوَافَقَةِ لِتَحْصِيلِهَا هَذَا الْمَعْنَى أَهَمُّ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ فَضِيلَةٍ خَاصَّةٍ بِالنُّسُكِ.

وَلِلْمُصَنَّفِ فِي مَجْمُوعِهِ كَلَامٌ فِي حَجِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَجُّ أَصْحَابِهِ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ لِنَفَاسَتِهِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْمُنَازَعَةِ فِيهِ حَيْثُ قَالَ: الصَّوَابُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ» ، وَخُصَّ بِجَوَازِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِلْحَاجَةِ، وَبِهَذَا يَسْهُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، فَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْإِفْرَادِ وَهُمْ الْأَكْثَرُ أَوَّلَ الْإِحْرَامَ وَرُوَاةَ الْقِرَانِ آخِرَهُ، وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ انْتِفَاعٌ وَقَدْ انْتَفَعَ بِالِاكْتِفَاءِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عُمْرَةً مُفْرَدَةً، وَلَوْ جُعِلَتْ حَجَّتُهُ مُفْرَدَةً لَكَانَ غَيْرَ مُعْتَمِرٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ فَانْتَظَمَتْ الرِّوَايَاتُ فِي حَجَّتِهِ فِي نَفْسِهِ.

وَأَمَّا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَكَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجٍّ وَمَعَهُمْ هَدْيٌ، وَقِسْمٌ بِعُمْرَةٍ وَفَرَغُوا مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ، وَقِسْمٌ بِحَجٍّ مِنْ غَيْرِ هَدْيٍ مَعَهُمْ أَمَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْلِبُوهُ عُمْرَةً، وَهُوَ مَعْنَى فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَهُوَ خَاصٌّ بِالصَّحَابَةِ، أَمَرَهُمْ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيَانِ مُخَالَفَةِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ إيقَاعَهَا فِيهِ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ، كَمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ لِذَلِكَ وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ خَبَرُ أَبِي دَاوُد عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ فَقَالَ: بَلْ لَكُمْ خَاصَّةً» فَانْتَظَمَتْ فِي إحْرَامِهِمْ أَيْضًا، فَمَنْ رَوَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَارِنِينَ أَوْ مُتَمَتِّعِينَ أَوْ مُفْرِدِينَ أَرَادَ بَعْضَهُمْ وَهُمْ الَّذِينَ عُلِمَ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَظُنَّ أَنَّ الْبَقِيَّةَ مِثْلُهُمْ، وَكَرِهَ جَمْعٌ تَسْمِيَةَ حَجِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ نَابِذٌ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِنَحْوِ مَا مَرَّ فِي تَسْمِيَةِ الطَّوَافِ شَوْطًا وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ تَبَعًا لِلْبَارِزِيِّ أَنَّ الْقَارِنَ الَّذِي اعْتَمَرَ قَبْلَ قِرَانِهِ أَوْ بَعْدَهُ يَكُونُ قِرَانُهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَقْصُودِهِ مَعَ زِيَادَةِ عُمْرَةٍ أُخْرَى كَمُتَيَمِّمٍ يَرْجُو الْمَاءَ آخِرَ الْوَقْتِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَهُ ثُمَّ بِالْوُضُوءِ آخِرَهُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يُلَاقِي مَا نَحْنُ فِيهِ إذْ الْكَلَامُ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ كَيْفِيَّاتِ أَدَاء النُّسُكَيْنِ الْمُسْقِطِ لِطَلَبِهِمَا لَا بَيْنَ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فَقَطْ وَأَدَائِهِمَا مَعَ زِيَادَةِ نُسُكٍ مُتَطَوِّعٍ بِهِ، وَيُرَدُّ أَيْضًا بِأَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ نَقُولُ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ حَتَّى مِنْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِلْحَاجَةِ) أَيْ وَهِيَ مُشَارَكَةُ أَصْحَابِهِ فِيمَا أَتَوْا بِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ الْمُنَبَّهِ عَلَى جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مَعَ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا لَا يُزَاحِمُونَ بِهَا الْحَجَّ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ (قَوْلُهُ فَانْتَظَمَتْ) أَيْ الرَّوِيَّاتُ (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ مَا مَرَّ) لَمْ يَتَقَدَّمْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَمْرِهِ) تَعْلِيلٌ فِي الْمَعْنَى لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ.

يَعْنِي إنَّمَا كَانَ عَدَمُ مُوَافَقَتِهِمْ لَهُ لِأَجْلِ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالِاعْتِمَادِ (قَوْلُهُ: وَالْمُوَافَقَةُ لِتَحْصِيلِهَا هَذَا الْمَعْنَى إلَخْ) أَيْ فَمُوَافَقَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ فِي التَّمَتُّعِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَطَيُّبِ قُلُوبِهِمْ أَهَمُّ عِنْدَهُ مِنْ فَضِيلَةٍ خَاصَّةٍ بِالنُّسُكِ وَهِيَ الْإِفْرَادُ الَّذِي أَتَى بِهِ وَلِذَلِكَ تَمَنَّى مُوَافَقَتَهُمْ (قَوْلُهُ: كَمَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ» ) صَوَابُهُ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِنَحْوِ مَا مَرَّ إلَخْ) هُوَ تَابِعٌ فِي هَذَا لِلْإِمْدَادِ، لَكِنَّ ذَاكَ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ فِي كَلَامِهِ ثَمَّ بِخِلَافِ الشَّارِحِ، وَعِبَارَتُهُ ثَمَّ أَعْنِي الْإِمْدَادَ وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ كَرَاهَةُ تَسْمِيَةِ الطَّوْفَةِ شَوْطًا وَدَوْرًا إذْ لَمْ يَرِدْ لِأَنَّ الشَّوْطَ الْهَلَاكُ، ثُمَّ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِوُرُودِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي، وَلَوْ ثَبَتَ رَفْعُهُ جَازَ حَمْلُهُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ كَتَسْمِيَةِ الْعِشَاءِ عَتَمَةً مَعَ كَرَاهَتِهِ.

وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ إلَّا لِدَلِيلٍ خَاصٍّ، وَكَوْنُ الشَّوْطِ الْهَلَاكَ لَا يَقْتَضِي بِمُجَرَّدِهِ كَرَاهَةً انْتَهَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>