للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقِرَانِ مَعَ الْعُمْرَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ فِي فَضِيلَةِ الِاتِّبَاعِ مَا يَرْبُو عَلَى زِيَادَةٍ فِي الْعَمَلِ كَمَا لَا يَخْفَى مِنْ فُرُوعٍ ذَكَرُوهَا، وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ اسْتَنَابَ وَاحِدًا لِلْحَجِّ وَآخَرَ لِلْعُمْرَةِ لَا تَحْصُلُ لَهُ كَيْفِيَّةُ الْإِفْرَادِ الْفَاضِلِ؛ لِأَنَّ كَيْفِيَّةَ الْإِفْرَادِ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ.

(وَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] وَالْمَعْنَى فِي إيجَابِ الدَّمِ كَوْنُهُ رَبِحَ مِيقَاتًا، إذْ لَوْ كَانَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ لَكَانَ يَحْتَاجُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ إلَى خُرُوجِهِ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ لِيُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، وَإِذَا تَمَتَّعَ اسْتَغْنَى عَنْ الْخُرُوجِ لِكَوْنِهِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، وَالْوَاجِبُ شَاةٌ مُجْزِئَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ سُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ سُبْعِ بَقَرَةٍ، وَكَذَا جَمِيعُ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ إلَّا جَزَاءَ الصَّيْدِ كَمَا سَيَأْتِي مَبْسُوطًا (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٦] إذْ اسْمُ إشَارَةٍ لِلْهَدْيِ وَالصَّوْمِ عِنْدَ فَقْدِهِ، وَلِمَنْ مَعْنَاهُ عَلَى مَنْ (وَحَاضِرُوهُ مِنْ) مَسَاكِنِهِمْ (دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ) ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَتُهُ اتِّفَاقًا بَلْ الْحَرَمُ عِنْدَ قَوْمٍ وَمَكَّةُ عِنْدَ آخَرِينَ، وَحَمْلُهُ عَلَى مَكَّةَ أَقَلُّ تَجَوُّزًا مِنْ حَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ (قُلْت: الْأَصَحُّ مِنْ الْحَرَمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إذْ كُلُّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ اللَّهُ فِيهِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ الْحَرَمُ إلَّا قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] فَهُوَ نَفْسُ الْكَعْبَةِ، فَإِلْحَاقُ هَذَا بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ أَوْلَى، وَالْقَرِيبُ مِنْ الشَّيْءِ يُقَالُ إنَّهُ حَاضِرُهُ، قَالَ تَعَالَى {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف: ١٦٣] أَيْ قَرِيبَةً مِنْهُ.

وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْبَحُوا مِيقَاتًا: أَيْ عَامًا لِأَهْلِهِ وَلِمَنْ مَرَّ بِهِ فَلَا يَشْكُلُ بِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إذَا عَنَّ لَهُ النُّسُكَ ثُمَّ فَاتَهُ وَإِنْ رَبِحَ مِيقَاتًا بِتَمَتُّعِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِيقَاتًا عَامًّا لِأَهْلِهِ وَلِمَنْ مَرَّ بِهِ، وَلَا يَشْكُلُ أَيْضًا بِأَنَّهُمْ جَعَلُوا مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَالْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ فِي هَذَا وَلَمْ يَجْعَلُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِسَاءَةِ وَهُوَ إذَا كَانَ مَسْكَنُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ وَجَاوَزَهُ وَأَحْرَمَ كَالْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ كَالْمَكِّيِّ إذَا أَحْرَمَ مِنْ سَائِرِ بِقَاعِ مَكَّةَ بَلْ أَلْزَمُوهُ الدَّمَ وَجَعَلُوهُ مُسِيئًا كَالْآفَاقِيِّ؛ لِأَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ مَكَّةَ مِمَّا ذُكِرَ تَابِعٌ لَهَا وَالتَّابِعُ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْمَتْبُوعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ وَلِأَنَّهُمْ عَمِلُوا بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَهُنَا لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِعَدَمِ إسَاءَتِهِ لِعَدَمِ عَوْدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ بِمُقْتَضَى الْآيَةِ، وَهُنَاكَ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِإِسَاءَتِهِ بِمُجَاوَزَتِهِ مَا عُيِّنَ لَهُ بِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ: وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ، عَلَى أَنَّ الْمَسْكَنَ الْمَذْكُورَ كَالْقَرْيَةِ بِمَنْزِلَةِ مَكَّةَ فِي جَوَازِ الْإِحْرَامِ مِنْ سَائِرِ بِقَاعِهِ وَعَدَمِ جَوَازِ مُجَاوَزَتِهِ بِلَا إحْرَامٍ لِمُرِيدِ النُّسُكِ، فَلَوْ كَانَ لِلْمُتَمَتِّعِ مَسْكَنَانِ بَعِيدٌ وَقَرِيبٌ اُعْتُبِرَ فِي كَوْنِهِ مِنْ الْحَاضِرِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ كَثْرَةُ إقَامَتِهِ بِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ إنْ اسْتَوَتْ إقَامَتُهُ بِهِمَا اُعْتُبِرَ بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ، فَإِنْ كَانَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَهُ ثَمَّ جَوَابٌ عَنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَاقِطًا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ (قَوْلُهُ: مَا يَرْبُو) أَيْ يَزِيدُ (قَوْلُهُ: مِنْ فُرُوعٍ ذَكَرُوهَا) مِنْهَا مَنْ صَلَّى لِلْوَتْرِ ثَلَاثًا أَفْضَلُ مِمَّنْ صَلَّى عَشْرًا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ كَيْفِيَّةَ الْإِفْرَادِ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ) هَذَا ظَاهِرٌ إنْ وَقَعَا مَعًا أَوْ تَقَدَّمَتْ الْعُمْرَةُ عَلَى الْحَجِّ.

أَمَّا لَوْ تَأَخَّرَتْ الْعُمْرَةُ عَنْ الْحَجِّ فَفِي عَدَمِ حُصُولِ الْإِفْرَادِ الْفَاضِلِ لَهُ نَظَرٌ

(قَوْلُهُ: إلَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ) أَيْ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ مِثْلُ مَا قَتَلَهُ مِنْ الصَّيْدِ: أَيْ وَإِلَّا دَمُ الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ فَإِنَّهُ بَدَنَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِمَنْ) أَيْ مِنْ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ} [البقرة: ١٩٦] وَقَوْلُهُ وَلِمَنْ مُبْتَدَأٌ؛ لِأَنَّهُ أُرِيدَ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ وَعَلَى مَنْ خَبَرُ الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبَرُهُ خَبَرُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ مَكَّةَ مِمَّا ذَكَرَ تَابِعٌ لَهَا إلَخْ) هَذَا لَا يُلَاقِي الْإِشْكَالَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ الْإِشْكَالُ بَيْنَ مَكَّةَ وَمَا هُنَا حَتَّى يُجَابَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَ، بَلْ الْإِشْكَالُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِخَارِجِ مَكَّةَ.

وَحَاصِلُهُ لِمَ جَعَلُوا إحْدَاهُمَا كَمَكَّةَ فِي أَنَّ سَائِرَ بِقَاعِهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَلَمْ يَجْعَلُوا الْأُخْرَى كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ لِأَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ مَكَّةَ مِمَّا ذَكَرَ تَابِعٌ إلَخْ مَوْجُودٌ فِي كِلَا الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَمْ يَنْدَفِعْ الْإِشْكَالُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُمْ عَمِلُوا بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إلَخْ) حَاصِلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>