للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ الْغَاصِبُ قَصَّابًا بِذَبْحِ شَاةٍ غَصَبَهَا لَمْ يَضْمَنْهَا إلَّا الْغَاصِبُ: أَيْ ضَمَانًا مُسْتَقِرًّا وَإِلَّا فَهُوَ طَرِيقٌ فِيهِ، وَلَوْ طَارَتْ نَارٌ إلَى شَعْرِهِ فَأَحْرَقَتْهُ وَأَطَاقَ الدَّفْعَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ أَزَالَ الْمُحْرِمُ ذَلِكَ مِنْ حَلَالٍ لَمْ تَجِبُ فِدْيَةٌ عَلَى الْمُحْرِمِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذْ لَا حُرْمَةَ لِشَعْرِهِ مِنْ حَيْثُ الْإِحْرَامُ.

وَاسْتُثْنِيَ مِنْ إطْلَاقِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى الْحَالِفِ مَا لَوْ أَمَرَ حَلَالٌ حَلَالًا بِحَلْقِ مُحْرِمٍ نَائِمٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْآمِرِ إنْ جَهِلَ الْحَالِقُ أَوْ أُكْرِهَ أَوْ أَكَانَ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ آمِرِهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْحَالِقِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَمَرَ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالٌ مُحْرِمًا أَوْ عَكْسُهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ، وَصَرِيحُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَعْذُورَيْنِ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا غَيْرَ مَعْذُورَيْنِ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْحَالِقِ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِي) إزَالَةِ (الشَّعْرَةِ) الْوَاحِدَةِ أَوْ الظُّفُرِ الْوَاحِدِ أَوْ بَعْضِ شَيْءٍ مِنْ أَحَدِهِمَا (مُدَّ طَعَامٍ وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ) أَوْ الظُّفُرَيْنِ (مُدَّيْنِ) إذْ تَبْعِيضُ الدَّمِ فِيهِ عَسِرٌ، وَالشَّارِعُ قَدْ عَدَلَ الْحَيَوَانَ بِالْإِطْعَامِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ، وَالشَّعْرَةُ الْوَاحِدَةُ هِيَ النِّهَايَةُ فِي الْقِلَّةِ، وَالْمُدُّ أَقَلُّ مَا وَجَبَ فِي الْكَفَّارَاتِ فَقُوبِلَتْ الشَّعْرَةُ بِهِ، وَالثَّانِي فِي الشَّعْرَةِ دِرْهَمٌ وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُقَوَّمُ فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَاعْتُبِرَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِلتَّوْزِيعِ.

وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَخْتَارَ أُدُمًا أَوْ لَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، خِلَافًا لِلْعِمْرَانِيِّ فَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى رَدِّ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْبُلْقِينِيِّ وَابْنِ الْعِمَادِ وَتَمَسَّكُوا بِإِطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ (وَلِلْمَعْذُورِ) فِي الْحَلْقِ لِإِيذَاءِ قُمَّلٍ أَوْ وَسَخٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (أَنْ يَحْلِقَ وَيَفْتَدِيَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: ١٩٦] الْآيَةَ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ فِي أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اُدْنُ، فَدَنَوْت مِنْهُ، فَقَالَ: اُدْنُ، فَدَنَوْت، فَقَالَ: أَيُؤْذِيك هَوَامُّ رَأْسِك؟ قَالَ ابْنُ عَوْفٍ: وَأَظُنُّهُ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَأَمَرَنِي بِفِدْيَةٍ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نَسْكِ نَسِيكَةٍ» قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَذَا يَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَّا لُبْسَ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ سِتْرَ الْعَوْرَةِ وَوِقَايَةَ الرِّجْلِ عَنْ النَّجَاسَةِ مَأْمُورٌ بِهِمَا فَخَفَّفَ فِيهِمَا وَالْحَصْرُ فِيمَا قَالَهُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ مَمْنُوعٌ، فَقَدْ اسْتَثْنَى صُوَرًا لَا فِدْيَةَ فِيهَا كَإِزَالَةِ شَعْرٍ نَبَتَ فِي بَاطِنِ عَيْنٍ وَتَضَرَّرَ بِهِ وَكَقَتْلِ صَيْدٍ صَائِلٍ وَحَيَوَانٍ مُؤْذٍ وَكَقَطْعِ مَا انْكَسَرَ مِنْ ظُفُرِهِ وَتَأَذَّى بِهِ فَقَطَعَ الْمُؤْذِي مِنْهُ فَقَطْ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ لِكَثْرَةِ الْقَمْلِ؛ لِأَنَّ الْأَذَى حَصَلَ مِنْ غَيْرِ الْمُزَالِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ طَالَ شَعْرُ حَاجِبِهِ أَوْ رَأْسِهِ وَغَطَّى عَيْنَيْهِ جَازَ لَهُ قَطْعُ الْمُغَطِّي فَقَطْ وَلَا فِدْيَةَ.

(الرَّابِعُ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الضَّرَرُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهُوَ) أَيْ الْقَصَّابُ طَرِيقٌ فِيهِ وَمَحَلُّ عَدَمِ الْقَرَارِ عَلَى الْقَصَّابِ حَيْثُ جَهِلَ الْغَصْبَ وَإِلَّا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْإِحْرَامُ) أَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّصَرُّفُ فِي بَدَنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَحْرُمُ وَيُعَزَّرُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي إزَالَةِ الشَّعْرَةِ (قَوْلُهُ: لِإِيذَاءِ قُمَّلٍ إلَخْ) أَيْ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ فِي نَحْوِ الْمُنْكَسِرِ وَشَعْرِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ فَاكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى تَأَذٍّ بِخِلَافِ هَذَا وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَجِبْ هُنَاكَ فِدْيَةٌ انْتَهَى حَجّ (قَوْلُهُ أَنْ يَحْلِقَ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَتَضَرَّرَ بِهِ) وَلَوْ أَدْنَى ضَرَرٍ انْتَهَى حَجّ (قَوْلُهُ وَتَأَذَّى) أَيْ وَإِنْ قَلَّ التَّأَذِّي انْتَهَى حَجّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَالشَّعْرَةُ الْوَاحِدَةُ هِيَ النِّهَايَةُ فِي الْقِلَّةِ) مُرَادُهُ بِالشَّعْرَةِ هُنَا مَا يَشْمَلُ بَعْضَهَا (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْعِمْرَانِيِّ) أَيْ فِي تَقْيِيدِهِ ذَلِكَ بِمَا إذَا اخْتَارَ الدَّمَ، فَإِنْ اخْتَارَ صَوْمًا وَجَبَ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ إطْعَامًا فَصَاعٌ أَوْ صَاعَانِ (قَوْلُهُ التَّقْيِيدُ الْمَذْكُورُ) يَعْنِي الْمَعْلُومَ مِمَّا ذَكَرَ (قَوْلُهُ وَحَيَوَانٍ مُؤْذٍ) أَيْ كَالْقَمْلِ، لَكِنَّ اسْتِثْنَاءَ هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي أُبِيحَ بَلْ هُوَ حَلَالٌ مُطْلَقًا

<<  <  ج: ص:  >  >>