بِشَعْرِ الرَّأْسِ شَعْرُ سَائِرِ الْجَسَدِ لَا إنْ أَبَانَهُ مَعَ جِلْدِهِ وَإِنْ حَرُمَتْ إبَانَةُ الْجِلْدِ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ.
نَعَمْ تُسَنُّ الْفِدْيَةُ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الظُّفُرُ (أَوْ الظُّفُرُ) مِنْ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ مِنْ مُحْرِمٍ آخَرَ قَلْمًا أَوْ غَيْرَهُ قِيَاسًا عَلَى الْحَلْقِ بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ وَالْمُرَادُ بِالظُّفُرِ وَالشَّعْرِ الْجِنْسُ فَيَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ وَبِبَعْضِهِ (وَتَكْمُلُ الْفِدْيَةُ فِي) إزَالَةِ (ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ جَمْعُ شَعْرَةٍ بِسُكُونِهَا وَلَاءً (أَوْ) إزَالَةُ (ثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ) كَذَلِكَ بِأَنْ اتَّحَدَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَحُكْمُ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِ حُكْمُهَا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى حَتَّى لَوْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَشَعْرَ بَدَنِهِ وَلَاءً أَوْ أَزَالَ أَظْفَارَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ كَذَلِكَ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ فِعْلًا وَاحِدًا، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ النَّاسِي لِلْإِحْرَامِ وَالْجَاهِلُ بِالْحُرْمَةِ لِعُمُومِ الْآيَةِ كَسَائِرِ الْإِتْلَافَاتِ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ فِي التَّمَتُّعِ بِاللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالدُّهْنِ وَالْجِمَاعِ وَمُقَدَّمَاتِهِ لِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ فِيهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيهَا.
نَعَمْ لَوْ أَزَالَهَا مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمَى عَلَيْهِ أَوْ صَبِيٌّ غَيْرُ مُمَيِّزٍ لَمْ تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الْجَاهِل وَالنَّاسِي أَنَّهُمَا يَعْقِلَانِ فِعْلَهُمَا فَنُسِبَا إلَى تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ، عَلَى أَنَّ الْجَارِيَ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ وُجُوبُهَا عَلَيْهِمْ أَيْضًا، وَمِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ النَّائِمُ، وَلَوْ حَلَقَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ رَأْسَ مُحْرِمٍ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ فَالدَّمُ عَلَى الْحَالِقِ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَائِمٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ أَوْ مُغْمَى عَلَيْهِ إذْ هُوَ الْمُقَصِّرُ؛ وَلِأَنَّ الشَّعْرَ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ كَالْوَدِيعَةِ لَا الْعَارِيَّةِ، وَضَمَانُ الْأُولَى مُخْتَصٌّ بِالْمُتْلِفِ وَلِلْمَحْلُوقِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمُودَعَ لَا يُخَاصَمُ؛ لِأَنَّ نُسُكَهُ يَتِمُّ بِأَدَائِهِ وَلِوُجُوبِهِ بِسَبَبِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِلزَّوْجَةِ مُطَالَبَةُ زَوْجِهَا بِإِخْرَاجِ فِطْرَتِهَا؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ فِي مُقَابَلَةِ إتْلَافِ جُزْءٍ مِنْهُ فَسَاغَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ، وَلَوْ أَخْرَجَهُ الْمَحْلُوقُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْحَالِقِ لَمْ يَسْقُطُ، بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ شَبِيهَةٌ بِالْكَفَّارَةِ. أَمَّا لَوْ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ مَعَ سُكُوتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الدَّفْعِ فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ لِتَفْرِيطِهِ فِيمَا عَلَيْهِ حِفْظُهُ؛ وَلِأَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْحُرْمَةِ فِي صُورَةِ الْأَمْرِ فَقَدْ انْفَرَدَ الْمَحْلُوقُ بِالتَّرَفُّهِ، وَمَحَلُّ قَوْلِهِمْ الْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأَمْرِ مَا لَمْ يَعُدْ النَّفْعُ عَلَى الْآمِرِ، أَلَا تَرَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الدُّهْنَ
(قَوْلُهُ: لَا إنْ أَبَانَهُ مَعَ جِلْدِهِ) وَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ عَدَمُ التَّحَلُّلِ بِهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وُجُوبُهَا عَلَيْهِمْ أَيْضًا) لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ خُفِّفَ عَنْهُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَالسَّبَبُ فِي خُرُوجِ ذَلِكَ عَنْ الْقَاعِدَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ) أَفْهَمَ أَنَّهُ إنْ حَلَقَهُ بِاخْتِيَارِهِ كَانَ الدَّمُ عَلَى الْمَحْلُوقِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: فَالدَّمُ عَلَى الْحَالِقِ) أَيْ مَعَ إثْمِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْحَالِقِ لَمْ يَسْقُطْ) اُنْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ سَمِّ عَلَى مَنْهَجٍ فِيمَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا وَأَخْرَجَتْ الزَّوْجَةُ عَنْ نَفْسِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ مِنْ أَنَّهَا لَا رُجُوعَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَبَرِّعَةٌ؛ وَلِأَنَّهَا عَلَى الزَّوْجِ كَالْحَوَالَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْمُحِيلُ لَوْ أَدَّى بِغَيْرِ إذْنِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ انْتَهَى.
فَإِنَّ مَفْهُومَهُ السُّقُوطُ عَنْ الزَّوْجِ وَالْحَالُ أَنَّهَا أَدَّتْ بِغَيْرٍ إذْنٍ مِنْهُ، وَلَعَلَّهُ أَنَّ الصَّوْمَ ثَمَّ مُعَلَّقٌ عَلَى إخْرَاجِ الْفِطْرَةِ فَلَهَا غَرَضٌ فِي ذَلِكَ لِرَفْعِ صَوْمِهَا، وَبِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَتْ الْفِطْرَةُ عَلَيْهَا أَصَالَةً وَتَحَمَّلَهَا الزَّوْجُ عَنْهَا سِيَّمَا إذَا قُلْنَا إنَّ تَحَمُّلَهُ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ تَكُونُ مُتَعَلِّقَةً بِهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا الزَّوْجُ صَحَّ إخْرَاجُهَا عَنْ نَفْسِهَا لِمُلَاقَاةِ الْوُجُوبِ لَهَا ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ الْحَالِقِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ لِبَدَلِ الشَّعْرِ مِنْ قَبِيلِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفَهُ، فَالضَّمَانُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ خَاصَّةً وَلَمْ يَتَعَلَّقْ مِنْهُ أَثَرٌ بِالْمَحْلُوقِ فَقَوِيَ شَبَهُهُ بِالْكَفَّارَةِ، وَهِيَ لَوْ أَخْرَجَهَا غَيْرُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِلَا إذْنٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِانْتِفَاءِ النِّيَّةِ وَهِيَ لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا (قَوْلُهُ فَقَدْ انْفَرَدَ الْمَحْلُوقُ) وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَالِقَ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ فَلَيْسَ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعُدْ النَّفْعُ عَلَى الْآمِرِ) بِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ جَرَحَهُ غَيْرُهُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ دَفْعِهِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْ الْجَارِحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ مَنْفَعَةٌ تَعُودُ عَلَى الْمَجْرُوحِ وَإِنَّمَا يَلْحَقُهُ بِهِ.
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِتَكْمِيلِ الْفِدْيَةِ، أَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى فِدْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَمْرٌ آخَرُ (قَوْلُهُ: لِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ فِيهِ) يُشْبِهُ الْمُصَادَرَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute