للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذْ لَا يُقْصَدُ تَنْمِيَتُهُمَا بِحَالٍ، وَسَوَاءٌ فِي الشَّعْرِ أَكَانَ كَثِيرًا أَمْ قَلِيلًا إذْ التَّحْرِيمُ مَنُوطٌ بِمَا يَصْدُقُ بِهِ التَّزَيُّنُ فَإِنَّهُمْ عَلَّلُوهُ بِمَا فِيهِ مِنْ التَّزَيُّنِ الْمُنَافِي لِحَالِ الْمُحْرِمِ.

فَإِنَّ الْحَاجَّ أَشْعَثُ أَغْبَرُ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ وَالْكِتَابِ وَالْأَنْوَارِ وَغَيْرِهَا دُهْنُ شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ انْتَهَى.

فَظَاهِرُهَا شُمُولُ الْجَمِيعِ، وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ فَالشَّعْرُ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ، وَعِبَارَةُ كَثِيرِينَ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْهُنَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ، كَذَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَسَوَاءٌ أَيْضًا الرَّأْسُ وَاللِّحْيَةُ الْمَحْلُوقَانِ وَغَيْرُهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَزْيِينِ الشَّعْرِ وَتَنْمِيَتِهِ الْمُنَافِيَيْنِ لِخَبَرِ «الْمُحْرِمُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ» أَيْ شَأْنُهُ الْمَأْمُورُ بِهِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَإِنْ كَانَ يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ السَّمْنُ، أَمَّا رَأْسُ الْأَقْرَعِ وَالْأَصْلَعِ وَذَقَنُ الْأَمْرَدِ فَلَا لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا حَرُمَ تَطْيِيبُ الْأَخْشَمِ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى هُنَا مُنْتَفٍ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ، فَإِنَّ الْمَعْنَى فِيهِ التَّرَفُّهُ بِالطِّيبِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَطَيِّبُ أَخْشَمَ عَلَى أَنَّ لَطِيفَةَ الشَّمِّ قَدْ يَبْقَى مِنْهَا بَقِيَّةٌ وَإِنْ قُلْت؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَزُلْ وَإِنَّمَا عَرَضَ مَانِعٌ فِي طَرِيقِهَا فَحَصَلَ الِانْتِفَاعُ بِالشَّمِّ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ قَلَّ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الرَّأْسِ أَصْلَعَ جَازَ دَهْنُهُ هُوَ فَقَطْ دُونَ الْبَاقِي وَخَرَجَ بِالرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِمَا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْبَدَنِ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا وَسَائِرُ شُعُورِهِ وَأَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصِيبَ اللِّحْيَةَ أَوْ الشَّارِبَ أَوْ الْعَنْفَقَةَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَجَعَلَهُ فِي شَجَّةٍ بِنَحْوِ رَأْسِهِ لِمَا مَرَّ وَفَارَقَ حُرْمَةَ الْإِسْعَاطِ بِالطِّيبِ بِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا تَنْمِيَةُ الشَّعْرِ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ بِوَجْهٍ وَهُنَاكَ ظُهُورُ الرَّائِحَةِ وَهِيَ تَظْهَرُ بِالْجُشَاءِ وَغَيْرِهِ، وَالْمَحْرَمُ هُنَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ، أَمَّا خَضْبُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ بِحِنَّاءٍ رَقِيقٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يُوجِبُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الدُّهْنَ عَقِبَ الطِّيبِ لِتَقَارُبِهِمَا فِي الْمَعْنَى بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ مِنْ غَيْرِ إزَالَةِ عَيْنٍ، وَإِلَّا فَهُوَ قِسْمٌ مُسْتَقِلٌّ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ فِي الدَّهْنِ بَيْنَ الْمُطَيِّبِ وَغَيْرِهِ.

الدَّهْنُ بِفَتْحِ الدَّالِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّدْهِينِ وَتَعْبِيرُهُ بِأَوْ يُفِيدُ التَّنْصِيصَ عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ (وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُ بَدَنِهِ وَرَأْسِهِ بِخَطْمِيٍّ وَنَحْوِهِ) كَسِدْرٍ مِنْ غَيْرِ نَتْفِ شَعْرٍ إذْ الْقَصْدُ مِنْهُ إزَالَةُ الْوَسَخِ لَا التَّنْمِيَةُ.

نَعَمْ الْأَوْلَى تَرْكُهُ، وَاكْتِحَالٌ بِغَيْرِ مُطَيِّبٍ لَيْسَ فِيهِ زِينَةٌ كَالتُّوتْيَا، بِخِلَافِ مَا فِيهِ زِينَةٌ كَالْإِثْمِدِ فَيُكْرَهُ إلَّا لِحَاجَةِ رَمَدٍ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ.

وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَالْكَرَاهَةُ فِي الْمَرْأَةِ أَشَدُّ، وَلِلْمُحْرِمِ احْتِجَامٌ وَفَصْدٌ مَا لَمْ يَقْطَعْ بِهِمَا شَعْرًا وَلَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهِمَا حِينَئِذٍ، وَإِنْشَادُ شِعْرٍ مُبَاحٍ، وَنَظَرٌ فِي مِرْآةٍ وَتَسْرِيحُ شَعْرِهِ بِرِفْقٍ خَشْيَةَ الِانْتِتَافِ الْمُوجِبِ لِلدَّمِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ شَكَّ هَلْ نَتَفَ الْمُشْطُ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهِ حَالَ التَّسْرِيحِ أَوْ اُنْتُتِفَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ.

نَعَمْ يُكْرَهُ حَكُّ شَعْرِهِ لَا جَسَدِهِ بِأَظْفَارِهِ لَا بِأَنَامِلِهِ وَتَسْرِيحُهُ وَتَفْلِيَتُهُ.

(الثَّالِثُ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (إزَالَةُ الشَّعْرِ) مِنْ الرَّأْسِ أَوْ غَيْرِهِ بِحَلْقٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ إحْرَاقٍ أَوْ قَصٍّ أَوْ نُورَةٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مُحْرِمٍ آخَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] وَقِيسَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ مِثْلَ مَا يَلِي الْوَجْهَ عَلَى هَذَا الْقِيلِ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ) هَذَا التَّأْوِيلُ يَقْتَضِي جَوَازَ مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ عَلَى مَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَسَوَاءٌ إلَخْ (قَوْلُهُ وَمَا أُلْحِقَ بِهِمَا) أَيْ مِنْ بَقِيَّةِ شُعُورِ الْوَجْهِ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَأَكْلُهُ) .

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَظَاهِرُهَا شُمُولُ الْجَمِيعِ) أَيْ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ الْمَارِّ، وَمُرَادُهُ بِالْقَلِيلِ مَا يَشْمَلُ الشَّعْرَةَ وَبَعْضَهَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ عِبَارَتِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ السُّؤَالِ الَّذِي أَجَابَ عَنْهُ وَالِدُهُ بِمَا ذَكَرَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي دَهْنِ الشَّعْرِ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ أَوْ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ أَوْ بَعْضِهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ اهـ.

ثُمَّ إنَّ فِي فَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْإِفْتَاءِ الْمَذْكُورِ حَزَازَةٌ

(قَوْلُهُ: أَوْ مُحْرِمٌ آخَرُ) لَا خَفَاءَ أَنَّ حُرْمَةَ حَلْقِ شَعْرِ الْمُحْرِمِ الْآخَرِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِإِحْرَامِ نَفْسِهِ، بَلْ هِيَ مِنْ حَيْثُ إحْرَامُ الْمَحْلُوقِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَلَالَ الْحَالِقَ كَذَلِكَ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>