إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَالْكَبِيرِ كَبِيرٌ وَالْمَعِيبِ مَعِيبٌ بَلْ لَا تُجْزِي الْبَدَنَةُ عَنْ شَاتِهِ، وَحَاصِلُ الدِّمَاءِ تَرْجِعُ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهَا إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ، وَدَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ، وَدَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ، وَدَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ.
فَالْأَوَّلُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْفَوَاتِ، وَالْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ وَهُوَ تَرْكُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَطَوَافِ الْوَدَاعِ، فَهَذِهِ الدِّمَاءُ دِمَاءُ تَرْتِيبٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الذَّبْحُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ، وَتَقْدِيرٍ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ مَا يَعْدِلُ إلَيْهِ تَقْدِيرًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ.
وَالثَّانِي يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ الْجِمَاعِ فَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ، بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ وَبِحَسَبِ الْقِيمَةِ فَتَجِبُ فِيهِ بَدَنَةٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ بِدَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ بِطَعَامٍ وَتَصَدَّقَ بِهِ.
فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ كَمَا مَرَّ، وَعَلَى دَمِ الْإِحْصَارِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ ثُمَّ طَعَامٌ بِالتَّعْدِيلِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الطَّعَامِ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَالثَّالِثُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ فَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَيُتَخَيَّرُ إذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ أَوْ قَلَمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ وَلَاءً بَيْنَ ذَبْحِ دَمٍ وَإِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَصَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّام وَعَلَى دَمِ الِاسْتِمْتَاعِ وَهُوَ التَّطَيُّبُ، وَالدَّهْنُ بِفَتْحِ الدَّالِ لِلرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الْوَجْهِ عَلَى مَا مَرَّ وَاللُّبْسُ وَمُقَدَّمَاتُ الْجِمَاعِ وَالِاسْتِمْنَاءُ وَالْجِمَاعُ غَيْرُ الْمُفْسِدِ.
وَالرَّابِعُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالشَّجَرِ، فَجُمْلَةُ هَذِهِ الدِّمَاءِ عِشْرُونَ دَمًا: ثَمَانِيَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ مُقَدَّرَةٌ، وَثَمَانِيَةٌ مُخَيَّرَةٌ مُقَدَّرَةٌ، وَدَمَانِ فِيهِمَا تَرْتِيبٌ وَتَعْدِيلٌ، وَدَمَانِ فِيهِمَا تَخْيِيرٌ وَتَعْدِيلٌ، وَقَدْ أَشَارَ الدَّمِيرِيِّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
خَاتِمَةٌ مِنْ الدِّمَاءِ مَا الْتُزِمْ ... مُرَتَّبًا وَمَا بِتَخْيِيرٍ لَزِمْ
وَالصِّفَتَانِ لَا اجْتِمَاعَ لَهُمَا ... كَالْعَدْلِ وَالتَّقْدِيرِ حَيْثُ فُهِمَا
وَالدَّمُ بِالتَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ فِي ... تَمَتُّعِ فَوْتِ قِرَانٍ اُقْتُفِيَ
وَتَرْكُ مِيقَاتٍ وَرَمْيٍ وَوَدَاعْ ... مَعَ الْمَبِيتَيْنِ بِلَا عُذْرٍ مَشَاع
ثُمَّ مُرَتَّبٌ بِتَعْدِيلٍ سَقَطْ ... فِي مُفْسِدِ الْجِمَاعِ وَالْحَصْرِ فَقَطْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ كَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ قَبْلُ فَاتَ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ هَذِهِ الْأَيَّامَ (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَشَارَ الدَّمِيرِيِّ لِذَلِكَ إلَخْ) وَنَظَمَهَا ابْنُ الْمُقْرِي فَقَالَ:
أَرْبَعَةٌ دِمَاءٌ حَجٍّ يُحْصَرُ ... الْأَوَّلُ الْمُرَتَّبُ الْمُقَدَّرُ
تَمَتُّعٌ فَوْتٌ وَحَجٌّ قُرِنَا ... وَتَرْكُ رَمْيٍ وَالْمَبِيتُ بِمِنَى
وَتَرْكُهُ الْمِيقَاتَ وَالْمُزْدَلِفَهْ ... أَوْ لَمْ يُوَدِّعْ أَوْ كَمَشْيٍ أَخْلَفَهْ
نَاذِرُهُ بِصَوْمٍ إنْ دَمًا فَقَدْ ... ثَلَاثَةً فِيهِ وَسَبْعًا فِي الْبَلَدْ
وَالثَّانِ تَرْتِيبٌ وَتَعْدِيلٌ وَرَدْ ... فِي مُحْصَرٍ وَوَطْءِ حَجٍّ إنْ فَسَدْ
إنْ لَمْ يَجِدْ قَوَّمَهُ ثُمَّ اشْتَرَى ... بِهِ طَعَامًا مَا طُعْمَةً لِلْفُقَرَا
ثُمَّ لِعَجْزِ عَدْلٍ ذَاكَ صَوْمَا ... أَعَنَى بِهِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا
وَالثَّالِثُ التَّخْيِيرُ وَالتَّعْدِيلُ فِي ... صَيْدٍ وَأَشْجَارٍ بِلَا تَكَلُّفِ
إنْ شِئْت فَاذْبَحْ أَوْ فَعَدْلٌ مِثْلَ مَا ... عَدَلْت فِي قِيمَةِ مَا تَقَدَّمَا
وَخَيِّرَنْ وَقَدِّرَنْ فِي الرَّابِعِ ... فَاذْبَحْهُ أَوْ جُدْ بِثَلَاثِ آصُعَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .