حُجَّ وَاشْتَرِطْ وَقُلْ: اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْت وَلَهُ عَمِلْت، فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
، وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ لِعُرْوَةِ: هَلْ تَسْتَثْنِ إذَا حَجَجْت؟ فَقَالَ: مَاذَا أَقُولُ؟ قَالَتْ: قُلْ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْت وَلَهُ عَمَدْت، فَإِنْ يَسَّرْتَهُ فَهُوَ الْحَجُّ وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَهُوَ عُمْرَةٌ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، فَلَهُ فِي ذَلِكَ إذَا وَجَدَ الْعُذْرَ أَنْ يَقْلِبَ حَجَّهُ عُمْرَةً وَتُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْخُرُوجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَلَوْ بِيَسِيرٍ، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَقْلِبَ حَجَّهُ عُمْرَةً عِنْدَ الْعُذْرِ فَوَجَدَ الْعُذْرَ انْقَلَبَ حَجُّهُ عُمْرَةً وَأَجْزَأَتْهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ عُمْرَةِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ لَا تُجْزِئُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ عُمْرَةً وَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُ عُمْرَةٍ، وَحُكْمُ التَّحَلُّلِ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ حُكْمُ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ.
(وَمَنْ تَحَلَّلَ) أَيْ أَرَادَ التَّحَلُّلَ: أَيْ الْخُرُوجَ مِنْ النُّسُكِ بِالْإِحْصَارِ وَلَوْ مَعَ شَرْطِهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ إذَا أُحْصِرَ وَلَوْ بِلَا هَدْيٍ (ذَبَحَ) لُزُومًا لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ السَّابِقَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَثِّرْ شَرْطُهُ التَّحَلُّلَ بِالْإِحْصَارِ فِي إسْقَاطِ الدَّمِ كَمَا أَثَّرَ فِيهِ شَرْطُهُ التَّحَلُّلَ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْإِحْصَارِ جَائِزٌ بِلَا شَرْطٍ فَشَرْطُهُ لَاغٍ (شَاةً) مُجْزِئَةً فِي الْأُضْحِيَّةِ (حَيْثُ أُحْصِرَ) مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ، وَفَرَّقَ لَحْمَهَا عَلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيُقَاسُ بِهِمْ فُقَرَاؤُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى الْحَرَمِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ، وَيَقُومُ مَقَامَ الشَّاةِ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ سُبُعُ أَحَدِهِمَا، وَكَذَلِكَ يَذْبَحُ هُنَاكَ مَا لَزِمَهُ مِنْ دِمَاءِ الْمَحْظُورَاتِ قَبْلَ الْإِحْصَارِ وَمَا مَعَهُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ الذَّبْحِ فِي مَوْضِعِهِ إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ بَعْضِ الْحَرَمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَيْسَ فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ مَا يُخَالِفُهُ وَإِنْ زَعَمَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ أَنَّهُ لَوْ أُحْصِرَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ وَأَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ بِمَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِحْصَارِ قَدْ صَارَ فِي حَقِّهِ كَنَفْسِ الْحَرَمِ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْعِ الْمُتَنَفِّلِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مِنْ التَّحَوُّلِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ إيصَالِهِ إلَى الْحَرَمِ لَكِنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يَعُمَّ بِنَحْرِهِ، وَأَفْهَمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ أُحْصِرَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ لَمْ يَجُزْ نَقْلُهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْحَرَمِ، وَالْمَنْقُولُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ جَمِيعَ الْحَرَمِ كَالْبُقْعَةِ الْوَاحِدَةِ انْتَهَى.
وَقُوَّةُ الْكَلَامِ تُعْطِي حُصُولَ التَّحَلُّلِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عُمْرَةً بَلْ أَفْعَالَ عُمْرَةٍ (قَوْلُهُ: وَقُلْ اللَّهُمَّ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: انْقَلَبَ حَجُّهُ عُمْرَةً) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ حَيْثُ شَرَطَ الْقَلْبَ وَإِنْ لَمْ يَقْلِبْهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ، ثُمَّ رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ أَنْ يَنْقَلِبَ وَعَلَيْهَا فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ عُمْرَةِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ) أَيْ مَثَلًا
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَا هَدْيٍ) لَا يُخَالِفُ هَذَا مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ نَعَمْ إنْ شَرَطَهُ بِلَا هَدْيٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْمَرَضِ وَهَذَا فِي الْحَصْرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرَهُ حَجّ حَيْثُ قَالَ: وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي نَحْوِ الْمَرَضِ بِأَنَّ هَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَرْطٍ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الشَّرْطُ بِخِلَافِ ذَاكَ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت قَوْلَهُ وَإِنَّمَا لَمْ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفَرَّقَ لَحْمَهَا) ظَاهِرُهُ فِي امْتِنَاعِ نَقْلِهِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّ الْإِحْصَارِ وَلَوْ إلَى الْحَرَمِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا أُحْصِرَ إلَخْ خِلَافُهُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ بَعْثِهِ: يَعْنِي حَيًّا إلَى الْحَرَمِ، وَلَوْ فَقَدَ الْفُقَرَاءَ بِمَحَلِّ الْإِحْصَارِ فَهَلْ يُؤَخِّرُ الذَّبْحَ إلَى وُجُودِهِمْ وَلَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ: فَلَوْ فَقَدُوا ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: فَعَلَى مَسَاكِينِ أَقْرَبِ مَحَلٍّ إلَيْهِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَلَا يُخَالِفُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَدِمَتْ الْمَسَاكِينُ فِي الْحَرَمِ أَخَّرَهُ حَتَّى يَجِدَهُمْ كَمَنْ قَدَرَ عَلَى فُقَرَاءِ بَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَوَّزَ هُنَا الذَّبْحَ وَالتَّفْرِقَةَ فِي الْحِلِّ لِمَشَقَّةِ الْإِحْصَارِ، فَإِنْ وَجَدَ فِي مَحَلِّهِ مَسَاكِينَ فَرَّقَ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا نَقَلَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ فِيهِ إلَى فُقَرَاءِ أَقْرَبِ مَحَلٍّ إلَيْهِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ انْتِقَالَهُ حِينَئِذٍ إلَى الصَّوْمِ وَهُوَ أَسْهَلُ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الْفَرْضِ اهـ (قَوْلُهُ: أَنَّ جَمِيعَ الْحَرَمِ كَالْبُقْعَةِ) مُعْتَمَدٌ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَقُوَّةُ الْكَلَامِ تُعْطِي حُصُولَ التَّحَلُّلِ بِالذَّبْحِ) أَيْ وَحْدَهُ، وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَيْ اسْتِدْرَاكًا عَلَيْهِ: فَهُوَ بَيَانٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute