وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ " أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَخْطَأْنَا الْعَدَّ وَكُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اذْهَبْ إلَى مَكَّةَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ، وَاسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَكُمْ، ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا ثُمَّ ارْجِعُوا، فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَأَهْدُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةٍ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ " وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ؛ وَلِأَنَّ الْفَوَاتَ سَبَبٌ يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ فَيَجِبَ الْهَدْيُ كَالْإِفْسَادِ، وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ نَشَأَ الْفَوَاتُ عَنْ الْحَصْرِ بِأَنْ حُصِرَ فَسَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ فَفَاتَهُ لِصُعُوبَةِ الطَّرِيقِ مَثَلًا أَوْ صَابَرَ الْإِحْرَامَ مُتَوَقِّعًا زَوَالَ الْحَصْرِ فَلَمْ يَزُلْ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَلَمْ يَقْضِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ عُلَقِ السَّفَرِ اسْتِحْبَابَ حَمْلِ الْمُسَافِرِ لِأَهْلِهِ هَدِيَّةً لِلْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ.
وَيُسَنُّ عِنْدَ قُرْبِهِ وَطَنَهُ إرْسَالُ مَنْ يُعْلِمُهُمْ بِقُدُومِهِ وَأَلَّا أَنْ يَكُونَ فِي قَافِلَةٍ اشْتَهَرَ عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَدِ وَقْتَ دُخُولِهَا، وَيُكْرَهُ أَنْ يَطْرُقَهُمْ لَيْلًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُتَلَقَّى الْمُسَافِرُ، وَأَنْ يُقَالَ لَهُ إنْ كَانَ حَاجًّا: قَبِلَ اللَّهُ حَجَّكَ وَغَفَرَ ذَنْبَك وَأَخْلَفَ نَفَقَتَك، فَإِنْ كَانَ غَازِيًا قِيلَ لَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَصَرَك وَأَكْرَمَك وَأَعَزَّك.
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ عِنْدَ دُخُولِهِ بِأَقْرَبِ مَسْجِدٍ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْقُدُومِ، وَتُسَنُّ النَّقِيعَةُ، وَهِيَ طَعَامٌ يُفْعَلُ لِقُدُومِ الْمُسَافِرِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي الْوَلِيمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. وَقَدْ تَمَّ شَرْحُ الرُّبْعِ الْأَوَّلِ بِحَمْدِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ وَعَوْنِهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الْمُبَارَكِ، تَاسِعَ عَشَرَ رَجَبِ الْفَرْدِ الْأَصَمِّ الْحَرَامِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةٍ، عَلَى يَدِ مُؤَلَّفِهِ فَقِيرِ عَفْوِ رَبِّهِ، وَأَسِيرِ وَصْمَةِ ذَنْبِهِ " مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الرَّمْلِيِّ " الْأَنْصَارِيِّ الشَّافِعِيِّ، غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَلِوَالِدِيهِ وَلِمَشَايِخِهِ وَلِمُحِبِّيهِ وَلِذَوِيهِ وَلِمَنْ دَعَا لَهُمْ بِالْحُسْنَى وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَنَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ قَرَأَهُ أَوْ نَقَلَ مِنْهُ أَوْ طَالَعَ فِيهِ وَدَعَا لِمَنْ كَانَ سَبَبًا فِي ذَلِكَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ.
وَنَتَوَسَّلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِسَائِرِ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَأَخِصَّائِهِ أَنْ يُدِيمَ لَنَا رِضَاهُ، وَأَنْ يُصْلِحَ مِنَّا مَا أَفْسَدْنَاهُ، وَأَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِقُرْبِهِ، وَأَنْ يُتْحِفَنَا بِحَقَائِق حُبِّهِ، وَأَنْ لَا يَجْعَلَ أَعْمَالَنَا حَسْرَةً عَلَيْنَا وَنَدَامَةً، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مَعَ سَادَاتِنَا فِي أَعْلَى فَرَادِيسِ الْكَرَامَةِ، وَأَنْ يُعِينَنَا عَلَى إتْمَامِ بَقِيَّةِ شَرْحِ الْكِتَابِ كَمَا أَعَانَنَا عَلَى ابْتِدَائِهِ، فَإِنَّهُ مُجِيبُ الدُّعَاءِ، لَا يَرُدُّ مَنْ قَصَدَهُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ، وَلَا مَنْ عَوَّلَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ عَلَيْهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَأَقُولُ]
حَرَّرْته مُجْتَهِدًا ... وَلَيْسَ يَخْلُو عَنْ غَلَطٍ
قُلْ لِلَّذِي يَلُومُنِي ... مَنْ ذَا الَّذِي مَا سَاءَ قَطُّ
[حاشية الرشيدي]
الْقِيَاسُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ أَعْمَالِهَا لَا تَحْصُلُ بِهِ عُمْرَةٌ وَإِنْ نَوَاهَا (قَوْلُهُ: وَأَهْدَوْا) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ، يُقَالُ: أَهْدَى لَهُ وَإِلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ غَازِيًا قِيلَ لَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَتْحٌ عَلَى يَدِهِ لِإِعْزَازِ الْإِسْلَامِ بِنَفْسِ الْغَزْوِ وَخِذْلَانِ الْكُفَّارِ بِعَوْدِهِ (قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ عِنْدَ دُخُولِهِ بِأَقْرَبِ مَسْجِدٍ) أَيْ إلَى مَنْزِلِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ لَهُ مَنْزِلٌ غَيْرُ الْمَسْجِدِ، فَلَوْ كَانَ بَيْتُهُ بِالْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ مِنْ مُجَاوِرِيهِ فِعْلُهُمَا فِيهِ عِنْدَ دُخُولِهِ (قَوْلُهُ: وَتُسَنُّ النَّقِيعَةُ) أَيْ يُسَنُّ لِلْمُسَافِرِ بَعْدَ حُضُورِهِ أَنْ يَفْعَلَهَا (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُتْحِفَنَا) أَيْ وَيَخُصَّنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ الْمَآبُ.
تَمَّ تَجْرِيدُ رُبُعِ الْعِبَادَاتِ مِنْ هَوَامِشِ شَرْحِ الرَّمْلِيِّ الْعَلَّامَةِ نُورِ الدِّينِ عَلِيٍّ الشبراملسي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute