الدُّيُونِ إذْ الْحَطُّ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ لَا مُعَاوَضَةَ فِيهِ فَاعْتُبِرَ نِيَّةُ الدَّائِنِ فِيهِ، وَلَوْ بَاعَ بِوَزْنِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ فِضَّةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَهِيَ مَضْرُوبَةٌ أَمْ تِبْرٌ لَمْ يَصِحَّ لِتَرَدُّدِهِ وَلَوْ بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ فَهَلْ يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى ثَلَاثَةٍ، أَوْ يَبْطُلُ وَجْهَانِ فِي الْجَوَاهِرِ، وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِالْبُطْلَانِ لَكِنَّهُ عَبَّرَ بِدَرَاهِمَ وَلَا فَرْقَ، بَلْ الْبُطْلَانُ مَعَ التَّعْرِيفِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ أَلْ فِيهِ إنْ جُعِلَتْ لِلْجِنْسِ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ زَادَ الْإِيهَامُ أَوْ لِلْعَهْدِ فَلَا عَهْدَ هُنَا.
نَعَمْ إنْ كَانَ ثَمَّ عَهْدٌ أَوْ قَرِينَةٌ بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى ثَلَاثَةٍ مَثَلًا، ثُمَّ قَالَ: بِعْتُك بِالدَّرَاهِمِ وَأَرَادَ الْمَعْهُودَةَ احْتَمَلَ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ (أَوْ) فِي الْبَلَدِ (نَقْدَانِ) فَأَكْثَرَ أَوْ عَرْضَانِ كَذَلِكَ (وَلَمْ يُغَلِّبْ أَحَدُهُمَا) وَتَفَاوَتَا قِيمَةً أَوْ رَوَاجًا (اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ) لِأَحَدِهِمَا لَفْظًا لَا نِيَّةً فَلَا تَكْفِي بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ هُنَا، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ الِاكْتِفَاءُ بِنِيَّةِ الزَّوْجَةِ فِي النِّكَاحِ كَمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ تَمَّ ضَرْبٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَهُنَا ذَاتُ الْعِوَضِ فَاغْتُفِرَ ثُمَّ مَا لَمْ يُغْتَفَرْ هُنَا وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ مَبْنَاهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَالتَّعَبُّدِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ النُّقُودُ وَنَحْوُهَا وَلَوْ صِحَاحًا وَمُكَسَّرَةً بِأَنْ لَمْ تَتَفَاوَتْ قِيمَةً وَغَلَبَةً صَحَّ الْعَقْدُ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي مَا شَاءَ مِنْهَا، وَلَوْ أَبْطَلَ السُّلْطَانُ مَا بَاعَ بِهِ أَوْ أَقْرَضَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ بِحَالٍ نَقَصَ سِعْرُهُ أَمْ زَادَ أَمْ عَزَّ وُجُودُهُ، فَإِنْ فُقِدَ وَلَهُ مِثْلٌ وَجَبَ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَقْتَ الْمُطَالَبَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى فِي زَمَنِنَا فِي الدِّيَارِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْجَوَابُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُبَالُوا بِالْجَهْلِ بِهِ لِإِمْكَانِ مَعْرِفَتِهِ بِالتَّقْوِيمِ بَعْدُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِكُ بَعْدَ إذْنِ شَرِيكِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ حِصَّتِهِ مِنْهُ حَيْثُ صَحَّ الْبَيْعُ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ مَعْرِفَةِ مَا يَخُصُّهُ حَالَ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: دَرَاهِمَ مِنْ فِضَّةٍ) بَيَانٌ لِمَا بَاعَ بِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ بَاعَهُ بِفِضَّةٍ وَزْنُهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ (قَوْلُهُ: احْتَمَلَ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: أَوْ عَرَضَانِ كَذَلِكَ) أَيْ فَأَكْثَرَ (قَوْلُهُ: اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ تَبَايَعَ بِطَرَفَيْ بَلَدَيْنِ وَاخْتَلَفَ نَقْدُهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِبَلَدِ الْمُبْتَدِئِ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ.
[فَرْعٌ] لَوْ قَالَ بِعْتُك بِقِرْشٍ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمُرَادِ مِنْهُ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الرِّيَالِ وَعَلَى الْكَلْبِ وَنَحْوِهِمَا مَا لَمْ يَغْلِبْ اسْتِعْمَالُهُ فِي نَوْعٍ مَخْصُوصٍ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: فَلَا تَكْفِي) أَيْ النِّيَّةُ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ نَوَيَاهُ عِنْدَهُ فَلَا يُكْتَفَى بِهِ، لَكِنْ فِي السَّلَمِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُهَا: أَيْ الصِّفَاتِ فِي الْعَقْدِ مَا نَصُّهُ: ثُمَّ لَوْ تَوَافَقَا قَبْلَ الْعَقْدِ وَقَالَا أَرَدْنَا فِي حَالَةِ الْعَقْدِ مَا كُنَّا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ صَحَّ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ لَهُ بَنَاتٌ وَقَالَ لِآخَرَ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَنَوَيَا مُعَيَّنَةً لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ اهـ.
وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ هُنَا كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الصِّفَاتِ لَمَّا كَانَتْ تَابِعَةً اُكْتُفِيَ فِيهَا بِالنِّيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَ ثُمَّ بِخِلَافِ الثَّمَنِ هُنَا فَإِنَّهُ نَفْسُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَمْ يُكْتَفَى بِنِيَّتِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ) أَيْ فِي الْخُلْعِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ) أَيْ فَإِنْ عَيَّنَ شَيْئًا اُتُّبِعَ كَمَا مَرَّ فَلَيْسَ لَهُ دَفْعُ غَيْرِهِ وَلَوْ أَعْلَى قِيمَةً مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي مَا شَاءَ مِنْهَا) أَيْ حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنْ الْبَائِعُ أَحَدَهَا وَإِلَّا وَجَبَ مَا عَيَّنَهُ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ وَإِنْ اتَّحِدَا رَوَاجًا وَقِيمَةً أَخْذًا مِمَّا مَرَّ لسم عَنْ الشَّارِحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ مَعَ اخْتِلَافِهَا سِكَّةً لَا قِيمَةً لَمْ يَصِحَّ، وَمِمَّا مَرَّ لِلشَّارِحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ نَقْدًا اُتُّبِعَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّوْضِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِدِينَارٍ صَحِيحٍ وَدَفَعَ دِينَارَيْنِ صَغِيرَيْنِ بِوَزْنِهِ وَجَبَ قَبُولُهُمَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَبِلَ بِمُعَيَّنٍ وَجَبَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ مِمَّا خَالَفَهُ فِي السِّكَّةِ أَوْ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَبْطَلَ السُّلْطَانُ مَا بَاعَ بِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ بِمُعَيَّنٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ فِي الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَقْتَ الْمُطَالَبَةِ)
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مِنْ فِضَّةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِبَاعَ (قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ الزَّوْجَةِ) أَيْ كَأَنْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَلَهُ بَنَاتٌ وَقَصَدَا مُعَيَّنَةً (قَوْلُهُ: وَلَهُ مِثْلٌ) لَعَلَّ صُورَتَهُ كَمَا إذَا كَانَ الرِّيَالُ مَثَلًا أَنْوَاعًا وَأُبْطِلَ نَوْعٌ مِنْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute