فَإِذَا نَوَاهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْمَقْصُودِ سَوَاءٌ أَنَوَى رَفْعَ جَمِيعِ أَحْدَاثِهِ أَمْ بَعْضِهَا وَإِنْ نَفَى بَاقِيَهَا فَلَوْ نَوَى غَيْرَ مَا عَلَيْهِ غَالِطًا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ نَوَى رَفْعَ بَعْضِ حَدَثِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَبَعْضُ شُرَّاحِ الْحَاوِي وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [البينة: ٥] وَالْإِخْلَاصُ النِّيَّةُ.
وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَيْ الْأَعْمَالُ الْمُعْتَدُّ بِهَا شَرْعًا، وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ مَحْضَةٌ فَاعْتُبِرَ فِيهِ النِّيَّةُ، فَخَرَجَ بِالْعِبَادَةِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَنَحْوُهُمَا، وَبِالْفِعْلِيَّةِ الْقَوْلِيَّةُ كَالْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ، وَبِالْمَحْضَةِ الْعُدَّةُ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَلِأَنَّهُ طَهَارَةٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْأَسْبَابِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا نَوَاهُ) أَيْ رَفْعَ الْحَدَثِ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْله أَمْ بَعْضَهَا) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا. فَإِنْ قُلْت: الْمُتَأَخِّرُ لَا يُسَمَّى حَدَثًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْحَدَثَ هُوَ السَّبَبُ الَّذِي يُوجَدُ مِنْ الْمُتَوَضِّئِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ مَسَّ ثُمَّ بَالَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْبَوْلِ حَدَثٌ.
قُلْت: أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِحَمْلِ الْأَحْدَاثِ الْمُتَعَدِّدَةِ عَلَى مَا لَوْ وُجِدَتْ مِنْهُ دَفْعَةٌ كَأَنْ مَسَّ وَلَمَسَ وَبَالَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
قَالَ: فَيَتَقَيَّدُ قَوْلُهُمْ إذَا نَوَى بَعْضَ أَحْدَاثِهِ بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ مُتَرَتِّبَةً فَنَوَى الْمُتَأَخِّرَ لَمْ يَصِحَّ مُطْلَقًا.
وَأَقُولُ: فِي الْمِصْبَاحِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ النِّيَّةِ بِرَفْعِ الْبَعْضِ بَيْنَ وُجُودِهَا مَعًا أَوْ مُتَرَتِّبَةً.
وَعِبَارَتُهُ: وَالْحَدَثُ الْحَالَةُ الْمُنَاقِضَةُ لِلطَّهَارَةِ شَرْعًا وَالْجَمْعُ الْأَحْدَاثُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمُنَاقِضَةُ لِلطَّهَارَةِ أَنَّ الْحَدَثَ إنْ صَادَفَ طَهَارَةً نَقَضَهَا وَرَفَعَهَا وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ طَهَارَةً فَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَجُوزَ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَى الشَّخْصِ أَحْدَاثٌ (قَوْلُهُ: فَلَوْ نَوَى غَيْرَ مَا عَلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ جَنَابَةً كَمَا صَرَّحَ بِالتَّفْصِيلِ فِيهَا، بَلْ وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ كَالْحَيْضِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) لَعَلَّ صُورَتَهُ أَنَّهُ قَصَدَ رَفْعَ الْحَدَثِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ مِنْ النَّوْمِ بِالْفِعْلِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْحَدَثَ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ نَشَأَ مِنْ النَّوْمِ صَحَّ فَلْيُتَأَمَّلْ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ) قَدْ يُقَالُ قِيَاسُ مَا فِي الطَّلَاقِ حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ كَامِلًا فِيمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ الصِّحَّةُ هُنَا وَيَكُونُ رَفْعُ الْبَعْضِ رَفْعًا لِلْكُلِّ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي النِّيَّةِ الْجَزْمُ؛ وَرَفْعُ الْبَعْضِ مَعَ إرَادَةِ بَقَاءِ الْبَعْضِ تَلَاعُبٌ لَا يَلِيقُ بِالنِّيَّةِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي وُقُوعِهِ الْجَزْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ، فَكَانَ إيقَاعُ بَعْضِهِ إيقَاعًا لِكُلِّهِ (قَوْلُهُ: وَالْإِخْلَاصُ النِّيَّةُ) قَالَ سم فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ: فِيهِ شَيْءٌ مَعَ لَهُ اهـ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْإِخْلَاصَ بِمَعْنَى النِّيَّةِ لَا يَتَعَدَّى بِاللَّامِ، إذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ عَلَيْهِ نَاوِينَ الدِّينَ لَهُ وَلَا مَعْنَى لَهُ، وَقَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْإِخْلَاصِ بِمَعْنَى النِّيَّةِ تَقْدِيرُ لَفْظِهَا فِي الْكَلَامِ، بَلْ يَكْفِي مُلَاحَظَتُهَا مَعْنًى كَأَنْ يُقَالَ: مَعْنَى مُخْلِصِينَ مُخَصِّصِينَ لَهُ الدِّينَ: أَيْ قَاصِرِينَ الدِّينَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَنْسُبُونَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالنِّيَّةِ (قَوْلُهُ: وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ) قَدَّمَ الْآيَةَ لِكَوْنِهَا دَالَّةً عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً، وَالْحَدِيثُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ بِأَنْ يُقَالَ: إنَّمَا صِحَّةُ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّةِ، وَالْحَنَفِيَّةُ يَمْنَعُونَ هَذَا وَيُقَدِّرُونَ إنَّمَا كَمَالُ الْأَعْمَالِ.
وَالْجَوَابُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ تَقْدِيرَ الصِّحَّةِ أَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الذَّاتِ مِنْ نَفْيِ الْكَمَالِ، لِأَنَّ مَا انْتَفَتْ صِحَّتُهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ، بِخِلَافِ مَا انْتَفَى كَمَالُهُ مَا فَإِنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا فَكَأَنَّ ذَاتَه مَوْجُودَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْأَصْلُ إلَخْ وَكَأَنَّهُ قِيلَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَحْضَةٌ) أَيْ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ يَحْتَاجُ إثْبَاتُهَا لِدَلِيلٍ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْوُضُوءَ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْأَصْلُ أَيْضًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
مَا لَوْ نَوَى غَيْرَ مَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَجَزَّأُ إذَا بَقِيَ بَعْضُهُ بَقِيَ كُلُّهُ كَمَا