مُوجِبُهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ مُوجَبِهَا فَأَشْبَهَتْ التَّيَمُّمَ وَبِهِ خَرَجَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا مِنْ سَبْعَةِ أَوْجُهٍ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ:
حَقِيقَةُ حُكْمٍ مَحَلٌّ وَزَمَنْ ... كَيْفِيَّةُ شَرْطٍ وَمَقْصُودٌ حَسَنْ
فَحَقِيقَتُهَا لُغَةً الْقَصْدُ، وَشَرْعًا قَصْدُ الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ، وَحُكْمُهَا الْوُجُوبُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ، وَزَمَنُهَا أَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ، وَكَيْفِيَّتُهَا تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَبْوَابِ، وَشَرْطُهَا إسْلَامُ النَّاوِي، وَتَمْيِيزُهُ وَعِلْمُهُ بِالْمَنْوِيِّ، وَعَدَمُ إتْيَانِهِ بِمُنَافِيهَا بِأَنْ يَسْتَصْحِبَهَا حُكْمًا، وَالْمَقْصُودُ بِهَا تَمْيِيزُ الْعِبَادَةِ عَنْ الْعَادَةِ كَالْجُلُوسِ لِلِاعْتِكَافِ تَارَةً وَلِلِاسْتِرَاحَةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: مُوجِبُهَا) أَيْ أَثَرُهَا (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مَحَلِّ مُوجَبِهَا) الْأَوْلَى ضَبْطُ الْأُولَى بِالْكَسْرِ، وَالثَّانِيَةِ بِالْفَتْحِ.
وَالْمَعْنَى السَّبَبُ الَّذِي يُوجِبُهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ مُوجَبِهَا: أَيْ مُحَصَّلِهَا، فَاللَّمْسُ مَثَلًا سَبَبٌ لِلطَّهَارَةِ الَّتِي هِيَ زَوَالُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ وَمُحَصَّلُهَا غَسْلُ الْأَعْضَاءِ، وَاللَّمْسُ لَيْسَ فِي مَحَلِّ ذَلِكَ الْغَسْلِ، وَلَوْ قَالَ مُوجِبُهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا كَانَ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ فَحَقِيقَتُهَا لُغَةً الْقَصْدُ) لَمْ يُسْمَعْ جَمْعُهُ لُغَةً وَقَدْ جَمَعَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى قُصُودٍ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمْعَ الْمَصْدَرِ مَوْقُوفٌ عَلَى السَّمَاعِ، فَإِنْ سُمِعَ الْجَمْعُ عَلَّلُوا بِاخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ، وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ عَلَّلُوا بِأَنَّهُ، مَصْدَرٌ: أَيْ بَاقٍ عَلَى مَصْدَرِيَّتِهِ، وَعَلَى هَذَا فَجَمْعُ الْقَصْدِ مَوْقُوفٌ عَلَى السَّمَاعِ: أَيْ وَلَمْ يُسْمَعْ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفُقَهَاءَ ثِقَاتٌ فَذِكْرُهُمْ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى سَمَاعِهِ (قَوْلُهُ: قَصْدُ الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا إلَخْ) اعْتِبَارُ الِاقْتِرَانِ فِي الْحَقِيقَةِ يُشْكِلُ بِنَحْوِ الصَّوْمِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي مُقَوِّمَاتِ الْحَقِيقَةِ مِمَّا لَا مَعْنَى لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى.
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا رَسْمًا اُعْتُبِرَ فِيهِ لَازِمٌ غَالِبِيٌّ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ حَقِيقَتُهَا لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ، أَوْ يَلْتَزِمُ أَنَّ السَّابِقَ فِي الصَّوْمِ لَيْسَ كَنِيَّةٍ بَلْ هُوَ عَزْمٌ اكْتَفَى بِهِ لِلضَّرُورَةِ اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا الْوُجُوبُ) قَدْ يُرَدُّ أَنَّ النِّيَّةَ قَدْ تَكُونُ مَنْدُوبَةً: أَيْ كَنِيَّةِ السِّوَاكِ الَّذِي لَيْسَ فِي ضِمْنِ عِبَادَةٍ.
لَا يُقَالُ كَلَامُهُ فِي النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ لَا مُطْلَقًا.
لِأَنَّا نَقُولُ: صَرِيحُ سِيَاقِهِ يَرُدُّ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ الْآتِي بِأَوَّلِ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ هُنَا.
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْوُجُوبُ غَالِبًا اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ.
قُلْت: أَوْ أَنَّ الْوُجُوبَ بِمَعْنَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (قَوْلُهُ: كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} [البينة: ٥] الْآيَةَ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ) نَعَمْ التَّلَفُّظُ مَنْدُوبٌ اهـ شَرْحُ الْبَهْجَةِ: أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَبْوَابِ، بَلْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ فِي الْجَمِيعِ.
وَقَالَ حَجّ: أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَبْوَابِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مُوجِبِهِ: أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَبْوَابِ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ إتْيَانِهِ بِمُنَافِيهَا) تَقَدَّمَ عَدُّ الْإِسْلَامِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ شُرُوطِ الْوُضُوءِ، فَلَا يَحْسُنُ هُنَا عَدُّهُ مِنْ شُرُوطِ النِّيَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا مَانِعَ أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ شَرْطًا لِأَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ.
وَعِبَارَةُ حَجّ: وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ الْأَخِيرَةُ: أَيْ وَهِيَ تَحَقُّقُ الْمُقْتَضَى، وَالْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَعَدَمُ الصَّارِفِ وَمَعْرِفَةُ الْكَيْفِيَّةِ شُرُوطٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِلنِّيَّةِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ الْقَيْصَرِيُّ: يَنْبَغِي لِلْمُتَطَهِّرِ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ غَسْلِ يَدَيْهِ: أَيْ كَفَّيْهِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلُهُ الْآتِي وَالْيَدَيْنِ إلَخْ تَطْهِيرَهُمَا مِنْ تَنَاوُلِ مَا أَبْعَدَهُ عَنْ اللَّهِ وَنَفْضَهُمَا مِمَّا يَشْغَلُهُ عَنْهُ، وَبِالْمَضْمَضَةِ تَطْهِيرَ الْفَمِ مِنْ تَلْوِيثِ اللِّسَانِ بِالْأَقْوَالِ الْخَبِيثَةِ، وَبِالِاسْتِنْشَاقِ إخْرَاجَ اسْتِرْوَاحِ رَوَائِحِ مَحْبُوبَاتِهِ، وَبِتَخْلِيلِ الشَّعْرِ حَلَّهُ مِنْ أَيْدِي مَا يُهْلِكُهُ وَيُهْبِطُهُ مِنْ أَعْلَى عِلِّيِّينَ إلَى أَسْفَلَ سَافِلِينَ، وَبِغَسْلِ وَجْهِهِ تَطْهِيرَهُ مِنْ تَوَجُّهِهِ إلَى اتِّبَاعِ الْهَوَى وَمِنْ طَلَبِ الْجَاهِ الْمَذْمُومِ وَتَخَشُّعِهِ لِغَيْرِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا الْوُجُوبُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولُ مَنْدُوبًا فَمَعْنَى الْوُجُوبِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: وَزَمَنُهَا أَوَّلَ الْوَاجِبَاتِ) الْأَوْلَى أَوَّلُ الْعِبَادَاتِ (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهَا إسْلَامُ النَّاوِي إلَخْ) ، وَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ شُرُوطًا لِلنِّيَّةِ الَّتِي هِيَ رُكْنٌ لِلْوُضُوءِ أَنْ تَكُونَ شُرُوطًا لِلْوُضُوءِ، وَمِنْ ثَمَّ قَدَّمَهَا فِي شُرُوطِ الْوُضُوءِ فَلَا يَرِدُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي الْحَاشِيَةِ.
(قَوْلُهُ: وَعَلِمَهُ بِالْمَنْوِيِّ) لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِفَرْضٍ نَفْلًا (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ إتْيَانِهِ بِمُنَافِيهَا) الْمُنَافِي هُنَا غَيْرُ