عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَّهُ بَاعَ عَبْدًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ بِالْبَرَاءَةِ، فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: بِهِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي، فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ فَقَضَى عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ، فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدُ فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ.
وَفِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: تَرَكْت يَمِينًا لِلَّهِ فَعَوَّضَنِي اللَّهُ عَنْهَا.
دَلَّ قَضَاءُ عُثْمَانَ الْمُشْتَهِرُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ فِي صُورَةِ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورَةِ، وَفَارَقَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ فِي حَالَتَيْ صِحَّتِهِ وَسَقَمِهِ فَقَلَّمَا يَنْفَكُّ عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ أَوْ خَفِيٍّ، فَاحْتَاجَ الْبَائِعُ لِهَذَا الشَّرْطِ لِيَثِقَ بِلُزُومِ الْبَيْعِ فِيمَا يُعْذَرُ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِنِ مَا يَعْسُرُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ دَاخِلَ الْبَدَنِ عَلَى أَقْرَبِ الِاحْتِمَالَاتِ، وَمِنْ الظَّاهِرِ نَتْنُ لَحْمِ الْمَأْكُولَةِ وَلَوْ حَيَّةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِسُهُولَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَلَوْ مَعَ الْحَيَاةِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْجَلَّالَةِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (مَعَ هَذَا الشَّرْطِ) إذَا صَحَّ (الرَّدُّ بِعَيْبٍ) فِي الْحَيَوَانِ (حَدَثَ) بَعْدَ الْعَقْدِ وَ (قَبْلَ الْقَبْضِ) لِانْصِرَافِ الشَّرْطِ إلَى الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ (وَلَوْ) (شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَمَّا يَحْدُثُ) وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْمَوْجُودِ (لَمْ يَصِحَّ) الشَّرْطُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَبْرَأهُ مِنْ ثَمَنِ مَا يَبِيعُهُ لَهُ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ فَلَا رَدَّ بِهِ (قَوْلُهُ: بِالْبَرَاءَةِ) أَيْ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ (قَوْلُهُ: فَعَوَّضَنِي اللَّهُ عَنْهَا) أَيْ خَيْرًا (قَوْلُهُ: الْمُشْتَهِرُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ) قِيلَ إنَّ ابْنَ عُمَرَ خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَنْهَضُ الْإِجْمَاعُ اهـ ع (قَوْلُهُ: فِي صُورَةِ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورَةِ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ) أَيْ الْحَيَوَانُ غَيْرَهُ: أَيْ حَيْثُ بَرِئَ فِيهِ الْبَائِعُ مِنْ الْعَيْبِ الْبَاطِنِ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ: وَسَقَمَهُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: سَقِمَ سَقَمًا مِنْ بَابِ تَعِبَ طَالَ مَرَضُهُ، وَسَقِمَ سُقْمًا مِنْ بَابِ قَرُبَ فَهُوَ سَقِيمٌ وَجَمْعُهُ سِقَامٌ مِثْلُ كَرِيمٍ وَكِرَامٌ وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَالتَّضْعِيفِ، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ بِشَيْءٍ فِي الصِّحَاحِ فَاقْتَضَى أَنَّ السَّقَمَ اسْمٌ لِلْمَرَضِ لَا بِقَيْدِ الطُّولِ، وَفِي الْقَامُوسِ السَّقَمُ الْمَرَضُ وَمُقْتَضَاهُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَاقْتَصَرَ فِي الْمُخْتَارِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: يَعْنِي أَنَّهُ يَأْكُلُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَفِي حَالِ مَرَضِهِ فَلَا نَهْتَدِي إلَى مَعْرِفَةِ مَرَضِهِ إذْ لَوْ كَانَ شَأْنُهُ تَرْكَ الْأَكْلِ حَالَ الْمَرَضِ لَكَانَ الْحَالُ بَيِّنًا (قَوْلُهُ: عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ) عِبَارَةُ حَجّ: ظَاهِرٌ أَوْ خَفِيٌّ اهـ.
وَهِيَ أَوْضَحُ لِظُهُورِ الْمُقَابَلَةِ لِأَنَّ الْبَاطِنَ خَفِيٌّ دَائِمًا وَهُوَ الَّذِي يَبْرَأُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ قَدْ يَكُونُ خَفِيًّا عَلَى نُدُورٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: مَا يَعْسُرُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ) وَمِنْهُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ فِيمَا يَظْهَرُ لِعُسْرِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِمَا مِنْ الرَّقِيقِ (قَوْلُهُ: دَاخِلَ الْبَدَنِ) قَالَ سم نَقْلًا عَنْ الشَّارِحِ: الْمُرَادُ بِالْبَاطِنِ مَا لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ غَالِبًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِدَاخِلِ الْبَدَنِ مَا يَعْسُرُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ كَكَوْنِهِ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ لَا خُصُوصَ مَا فِي الْجَوْفِ، وَيُوَافِقُ هَذَا الْحَمْلُ مَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ وَعِبَارَتُهُ: وَالْبَاطِنُ مَا يَعْسُرُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ بِخِلَافِهِ، وَقِيلَ الْبَاطِنُ مَا كَانَ دَاخِلَ الْجَوْفِ وَالظَّاهِرُ بِخِلَافِهِ اهـ.
وَفِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ لِوَالِدِ الشَّارِحِ مَا يُوَافِقُ الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِسُهُولَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ) أَيْ بِنَحْوِ رِيحِ عَرَقِهَا (قَوْلُهُ: إذَا صَحَّ) يُشْعِرُ بِأَنَّ فِيهِ خِلَافًا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ عَدَمُ جَرَيَانِ خِلَافٍ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا ذَكَرَ مِنْ جُمْلَةِ مُقَابِلِ الْأَظْهَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ أَصْلًا فَإِنَّ حَاصِلَهُ يَرْجِعُ إلَى إلْغَاءِ الشَّرْطِ، وَأَوْلَى مِنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى حِكَايَةِ وَجْهٍ بِالْبُطْلَانِ عَنْ الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ) قَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ الْمَوْجُودِ دُونَ الْحَادِثِ وَاسْتَقَرَّ بِهِ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَفِي الشَّيْخِ عَمِيرَةَ خِلَافُهُ وَعِبَارَتُهُ: وَإِنْ أَفْرَدَ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي بِهِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ) أَيْ: وَهُوَ خَفِيٌّ لِيُوَافِقَ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ الْآتِي فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: بَاطِنٌ أَوْ خَفِيٌّ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ ظَاهِرٌ أَوْ خَفِيٌّ وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ: وَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِالْخَفِيِّ الظَّاهِرُ إذْ هُوَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَمِنْهُ اللُّطْفُ الْخَفِيُّ. (قَوْلُهُ: إذَا صَحَّ) كَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَمَّا يَحْدُثُ مَثَلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute