بِحَالِهَا ثُمَّ عَلِمَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ (عَلَى الْفَوْرِ) كَخِيَارِ الْعَيْبِ.
نَعَمْ لَوْ دَرَّ اللَّبَنُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي أَشْعَرَتْ بِهِ التَّصْرِيَةُ فَلَا خِيَارَ كَمَا هُوَ الْأَوْجَهُ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ: لَا وَجْهَ لِلْخِيَارِ هُنَا، وَإِنْ نَازَعَهُ الْأَذْرَعِيُّ هُنَا لِأَنَّ مَا كَانَ عَلَى خِلَافِ الْجِبِلَّةِ لَا وُثُوقَ بِدَوَامِهِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ تَصَرَّتْ بِنَفْسِهَا أَوْ النِّسْيَانُ أَوْ شَغْلٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْأَصَحُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ وَالْمِفْتَاحِ لِلْحَاوِي وَجَزَمَ بِهِ الدَّمِيرِيِّ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ لِحُصُولِ الضَّرَرِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْخِيَارَ بِالْعَيْبِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ عِلْمِ الْبَائِعِ بِهِ وَعَدَمِهِ، فَانْدَفَعَ تَرْجِيحُ الْحَاوِي كَالْغَزَالِيِّ مُقَابِلُهُ لِانْتِفَاءِ التَّدْلِيسِ (وَقِيلَ يَمْتَدُّ) الْخِيَارُ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) مِنْ الْعَقْدِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْخَبَرِ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّحَهُ كَثِيرُونَ وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ.
وَأَجَابَ الْأَكْثَرُونَ بِحَمْلِ الْخَبَرِ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ التَّصْرِيَةَ لَا تَظْهَرُ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ لِاحْتِمَالِ إحَالَةِ النَّقْصِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعَلَفِ أَوْ الْمَأْوَى مَثَلًا
(فَإِنْ) (رَدَّهَا) أَيْ اللَّبُونَ وَلَوْ بِغَيْرِ عَيْبِ التَّصْرِيَةِ (بَعْدَ تَلَفِ اللَّبَنِ) أَيْ حَلْبِهِ وَلَوْ قَلِيلًا وَعَبَّرَ بِهِ عَنْهُ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ حَلْبِهِ يَسْرِي إلَيْهِ التَّلَفُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَبَنٍ مُتَمَوِّلٍ إذْ لَا يُضْمَنُ إلَّا مَا هُوَ كَذَلِكَ (رَدَّ) حَتْمًا (مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ) وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِصَاعِ تَمْرٍ وَيَسْتَرِدُّ صَاعَهُ لِأَنَّ الرِّبَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْفُسُوخِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَدْفُوعُ لِلْبَائِعِ بَاقِيًا أَمْ تَالِفًا خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي فِي الْكِتَابَةِ مِنْ اخْتِصَاصِ التَّقَاصِّ بِالنُّقُودِ أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى مَا اُشْتُرِيَ بِهِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَقَطْعًا لِلنِّزَاعِ، وَبِمَا قَالَهُ عُلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُكَلَّفُ رَدَّ اللَّبَنِ لِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ مِلْكُهُ وَقَدْ اخْتَلَطَ بِالْمَبِيعِ وَتَعَذَّرَ تَمْيِيزُهُ، فَإِذَا أَمْسَكَهُ كَانَ كَالتَّالِفِ وَأَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ قَهْرًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
ظَنَّهَا مُصَرَّاةً فَبَانَتْ كَذَلِكَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى مَا مَرَّ فِيمَنْ اشْتَرَى أَمَةً ظَنَّهَا هُوَ وَبَائِعُهَا زَانِيَةً فَبَانَتْ كَذَلِكَ لِعَدَمِ التَّحَقُّقِ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ ظَنًّا مَرْجُوحًا بِخِلَافِ الظَّنِّ الرَّاجِحِ وَالْمُسَاوِي عَلَى مَا مَرَّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَلَا يَثْبُتُ مِنْهُمَا خِيَارٌ (قَوْلُهُ: بِحَالِهَا) أَيْ وَكَانَتْ لَا تَظْهَرُ لِغَالِبِ النَّاسِ أَنَّهَا مَتْرُوكَةَ الْحَلْبِ قَصْدًا، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَا خِيَارَ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي لَهُ فِي تَحْمِيرِ الْوَجْهِ، وَلَا يَكْفِي فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ مَا اُعْتِيدَ مِنْ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى مَرِيدِ الْبَيْعِ لِذَاتِ اللَّبَنِ تَرْكُ حَلْبِهَا مُدَّةً قَبْلَ الْبَيْعِ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَسَرِقَةٌ وَإِبَاقٌ مِنْ الشِّرَاءِ مَعَ ظَنِّ الْعَيْبِ لَا يُسْقِطُ الرَّدَّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ النَّهْيُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بَيْعٌ قَبْلَ النَّهْيِ لِلْمُصَرَّاةِ ثُمَّ عَلِمَ بِتَصْرِيَتِهَا الْمُشْتَرِي بَعْدَ وُرُودِ النَّهْيِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَأَنَّهُ إنَّمَا قُيِّدَ بِبُعْدِ النَّهْيِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ لَا إثْمَ فِيهِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ دَرَّ اللَّبَنُ) أَيْ وَدَامَ مُدَّةً يَغْلِبُ بِهَا عَلَى الظَّنِّ أَنَّ كَثْرَةَ اللَّبَنِ صَارَتْ طَبِيعَةً لَهَا، أَمَّا لَوْ دَرَّ نَحْوَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ انْقَطَعَ لَمْ يَسْقُطْ الْخِيَارُ لِظُهُورِ أَنَّ اللَّبَنَ فِي ذَيْنك لِعَارِضٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْخَبَرِ) هُوَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ» اهـ مَحَلِّيٌّ
(قَوْلُهُ: وَعَبَّرَ بِهِ) أَيْ بِالتَّلَفِ عَنْهُ: أَيْ الْحَلْبُ (قَوْلُهُ: لَا يُؤَثِّرُ فِي الْفُسُوخِ) عَلَى أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا مَجَالَ لَلرِّبَا فِيهِ بِوَجْهٍ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ وَهُوَ يَقْتَضِي تَرَادَّ الْعِوَضَيْنِ، فَمَا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي هُوَ الثَّمَنُ الَّذِي أَعْطَاهُ، وَمَا رَدَّهُ مِنْ الثَّمَنِ بَدَلُ اللَّبَنِ الَّذِي كَانَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ حِينَ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي إلَخْ) مُعْتَمَدُ (قَوْلِهِ وَبِمَا قَالَهُ) أَيْ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ بِرِعَايَةِ تَأْوِيلِ التَّلَفِ بِالْحَلْبِ وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْمَتْنِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمَحَلِّيُّ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا رَدُّ الْمُصَرَّاةِ قَبْلَ تَلَفِ اللَّبَنِ فَلَا يَتَعَيَّنُ رَدُّ الصَّاعِ مَعَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَرُدَّ الْمُشْتَرِي اللَّبَنَ وَيَأْخُذَهُ الْبَائِعُ فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهُ اهـ (قَوْلُهُ وَقَدْ اخْتَلَطَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ حُلِبَ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَشَمَلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ تَصَرَّتْ بِنَفْسِهَا إلَخْ) فِي شُمُولِ كَلَامِهِ لِهَذَا نَظَرٌ لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْخَبَرِ) يَعْنِي خَبَرَ مُسْلِمٍ «مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» إلَخْ
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِصَاعِ تَمْرٍ وَتَلِفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute