لِأَنَّهُ هِبَةٌ، وَيَكُونُ بِنَحْوِ الْعِتْقِ وَالْوَقْفِ قَابِضًا لَا بِالتَّدْبِيرِ وَالتَّزْوِيجِ وَنَحْوِهِمَا، وَكَذَا الطَّعَامُ الْمُبَاحُ لِلْفُقَرَاءِ قَبْلَ قَبْضِهِمْ لَهُ فَإِنْ قَبَضُوهُ كَانَ قَابِضًا (وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ) نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ (كَالْمَبِيعِ) فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ لِعُمُومِ النَّهْيِ لَهُ، وَلَوْ أَبْدَلَهُ الْمُشْتَرِي بِمِثْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِرِضَا الْبَائِعِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا إنْ كَانَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ أَوْ بِمِثْلِهِ إنْ تَلِفَ أَوْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، وَمِمَّا شَمِلَهُ التَّشْبِيهُ فَسَادُ التَّصَرُّفِ قَبْلَ قَبْضِهِ الْمَذْكُورِ ضِمْنًا فِي قَوْلِهِ (فَلَا يَبِيعُهُ الْبَائِعُ) يَعْنِي لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَمَا بِأَصْلِهِ (قَبْلَ قَبْضِهِ) لَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَا مِنْ غَيْرِهِ نَظِيرَ مَا مَرَّ لِعُمُومِ النَّهْيِ وَلِلْعِلَّتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ، وَكُلُّ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ كَأُجْرَةٍ وَعِوَضِ صُلْحٍ عَنْ مَالٍ أَوْ دَمٍ وَبَدَلِ خُلْعٍ أَوْ صَدَاقٍ كَذَلِكَ
(وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَمَانَةً كَوَدِيعَةٍ) بِيَدِ الْمُودِعِ وَشَمَلَتْ الْأَمَانَةُ مَا لَوْ كَانَتْ شَرْعِيَّةً كَمَا لَوْ طَيَّرَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى دَارِهِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا أَفْرَزَهُ السُّلْطَانُ لِجُنْدِيٍّ تَمْلِيكًا كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَهُ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ رِفْقًا بِالْجُنْدِيِّ عَلَيْهِ وَمِنْ ثَمَّ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ الْإِفْرَازِ (وَمُشْتَرَكٌ) بِيَدِ الشَّرِيكِ (وَقِرَاضٌ) بِيَدِ الْعَامِلِ سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْفَسْخِ أَمْ بَعْدَهُ ظَهَرَ رِيحٌ أَمْ لَا كَمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ خِلَافًا لِلْقَاضِي وَالْإِمَامِ (وَمَرْهُونٌ) بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ (بَعْدَ انْفِكَاكِهِ) مُطْلَقًا وَقَبْلَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَلَا بِالْهِبَةِ الضِّمْنِيَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا فَأَجَابَهُ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُمَا) أَيْ كَإِبَاحَةِ الطَّعَامِ لِلْفُقَرَاءِ (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ بِنَحْوِ الْعِتْقِ) أَيْ وَهُوَ الِاسْتِيلَادُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَبَضُوهُ إلَخْ) وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ إبَاحَةِ الطَّعَامِ لِلْفُقَرَاءِ وَبَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْهَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الصَّدَقَةِ وَمَا مَعَهَا طَرِيقٌ لِلْمِلْكِ بِذَاتِهِ بِمَعْنَى أَنَّ صِيَغَهَا مُحَصِّلَةٌ لِلتَّمْلِيكِ وَطَرِيقٌ فِيهِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ تَمَامُهُ عَلَى الْقَبْضِ وَإِبَاحَةُ الطَّعَامِ لَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِيهِ تَلَازُمُهُ وَهُوَ أَكْلُهُمْ لَهُ مَثَلًا كَالضَّيْفِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا قُدِّمَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالْوَضْعِ فِي الْفَمِ عَلَى الرَّاجِحِ أَوْ بِالِازْدِرَادِ عَلَى مُقَابِلِهِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ: وَفَارَقَ الْوَقْفَ كَإِبَاحَةِ التَّصَدُّقِ بِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِخِلَافِهِمَا (قَوْلُهُ: لِلْعِلَّتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ) هُمَا ضَعْفُ الْمِلْكِ وَتَوَالِي ضَمَانَيْنِ
(قَوْلُهُ: وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ) بِالْإِضَافَةِ لِأَنَّهُ بِلَفْظِ الْمَوْصُولِ يَشْمَلُ الِاخْتِصَاصَ وَهُوَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ (قَوْلُهُ إلَى دَارِهِ) أَيْ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ: تَمْلِيكًا) أَيْ لَا إرْفَاقًا (قَوْلُهُ: فَلَهُ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ) قَيْدٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ إلَى هُنَا كَمَا قَدَّمَ هُوَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بِقَوْلِهِ وَمِثْلُهُ فِي جَمِيعِ مَا يَأْتِي الثَّمَنُ انْتَهَى.
وَحِينَئِذٍ فَتَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ لِعُمُومِ النَّهْيِ قَاصِرٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ التَّشْبِيهَ قَاصِرٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ قَبْلَ الْقَبْضِ. (قَوْلُهُ: لِعُمُومِ النَّهْيِ) أَيْ: فِي خَبَرِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي لَا تَبِيعَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَقْبِضَهُ، فَشَمِلَ الشَّيْءَ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا وَإِنْ كَانَ عُمُومُهُ لِنَحْوِ الْأَمَانَةِ غَيْرَ مُرَادٍ (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ كَانَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِعَيْنِ الثَّمَنِ أَوْ بِمِثْلِهِ) أَيْ فَإِنَّهُ إقَالَةٌ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ) لَكَ أَنْ تَقُولَ: عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى بَلْ أَصْوَبُ؛ فَإِنَّ عُمُومَ عَدَمِ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ لَا يَصِحُّ إذْ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ وَنَحْوُهُ مِمَّا مَرَّ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ الْبَيْعِ مِمَّا ذُكِرَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ هُنَاكَ الْبَيْعَ أَصْلًا إذْ هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ لِوُرُودِهِ بِالنَّصِّ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ التَّصَرُّفَاتِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالتَّشْبِيهِ، فَنَصَّ هُنَا عَلَى الْأَصْلِ لِيُقَاسَ بِهِ نَحْوُهُ كَمَا قِيسَ بِهِ ثُمَّ عَلَى أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ كَالْمَبِيعِ وَمِنْ ثَمَّ أَرْدَفَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ لِلْإِيضَاحِ وَلِيُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ مِثْلُهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَا مِنْ غَيْرِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ لَا مِنْ الْمُشْتَرِي إلَّا فِي نَظِيرِ مَا مَرَّ مِنْ بَيْعِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ لِعُمُومِ النَّهْيِ وَلِمَا مَرَّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ، وَمُرَادُهُ بِالْعِلَّتَيْنِ مَا قَدَّمَهُ كَغَيْرِهِ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَعِلَّتُهُ ضَعْفُ الْمِلْكِ لِانْفِسَاخِهِ بِتَلَفِهِ كَمَا مَرَّ، وَقِيلَ اجْتِمَاعُ ضَمَانَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَبِتَأَمُّلِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute