أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُسْقِطَ شَعْرًا وَيَقُولَ وَبَشَرَتِهَا: أَيْ بَشَرَةِ جَمِيعِ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ شَعْرًا تَكْرَارٌ فَإِنَّمَا تَقَدَّمَ اسْمٌ لَهَا لَا لِمَنَابِتِهَا، وَقَوْلُهُ بَشَرًا غَيْرُ صَالِحٍ لِتَفْسِيرِ مَا تَقَدَّمَ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ الْخَدَّ أَيْضًا فَنَصَّ عَلَى شَعْرِهِ كَمَا نَصَّ عَلَى بَشَرَةِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الشَّعْرِ (وَقِيلَ لَا يَجِبُ) غَسْلُ (بَاطِنِ عَنْفَقَةٍ كَثِيفَةٍ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَلَا بَشَرَتِهَا كَاللِّحْيَةِ، وَفِي ثَالِثٍ يَجِبُ إنْ لَمْ تَتَّصِلْ بِاللِّحْيَةِ (وَاللِّحْيَةُ) مِنْ الرَّجُلِ (إنْ خَفَّتْ كَهُدْبٍ) فَيَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ كَثُفَتْ (فَلْيَغْسِلْ ظَاهِرَهَا) وَلَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِهَا وَهُوَ مَنَابِتُهَا «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَرَفَ غَرْفَةً وَاحِدَةً لِوَجْهِهِ» وَكَانَتْ لِحْيَتُهُ كَثِيفَةً وَالْغَرْفَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَصِلُ إلَى بَاطِنِ ذَلِكَ غَالِبًا، وَلِمَا فِي غَسْلِ بَاطِنِهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّعْرَ أَصْلٌ لَا بَدَلٌ.
وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ شُعُورَ الْوَجْهِ إنْ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَدِّهِ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ نَادِرَةَ الْكَثَافَةِ كَالْهُدْبِ وَالشَّارِبِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَهُوَ الشَّعْرُ الْخَفِيفُ (قَوْلُهُ: جَمِيعِ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ وَلَوْ قَالَ تِلْكَ لَكَانَ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ: وَفِي ثَالِثٍ يَجِبُ إنْ لَمْ تَتَّصِلَ بِاللِّحْيَةِ) وَقِيلَ لَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ الْكَثِيفِ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ كَثَافَتَهُ مَانِعَةٌ مِنْ رُؤْيَةِ بَاطِنِهِ فَلَا تَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ انْتَهَى مَحَلِّيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِهَا) قَدْ يُقَالُ: لِمَ اكْتَفَى بِغَسْلِ ظَاهِرِ الْكَثِيفِ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ اللِّحْيَةِ وَالْعَارِضِ مَعَ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ فِي أَصْلِهِ الَّذِي فِي حَدِّ الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيفًا، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَنْ الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ مَنَاطُ الْوُجُوبِ انْحَطَّ أَمْرُهُ فَسُومِحَ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ
قُلْت: قَوْلُهُ فِي أَصْلِهِ إلَخْ صَرِيحُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْحَاجِبَ مَثَلًا إذَا طَالَ شَعْرُهُ وَخَرَجَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ وَكَثُفَ فَالْقَدْرُ الْخَارِجُ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ دُونَ بَاطِنِهِ، وَمَا دَخَلَ مِنْهُ فِي حَدِّ الْوَجْهِ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ فَلْيُرَاجَعْ فَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي حَدِّ الْوَجْهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ وَجَبَ غَسْلُ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، وَإِذَا خَرَجَ وَجَبَ غَسْلُ ظَاهِرِ الْكَثِيفِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَغْسُولُ، فِي حَدِّ الْوَجْهِ أَوْ خَارِجِهِ لِمَشَقَّةِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ مَا فِي حَدِّ الْوَجْهِ دُونَ مَا خَرَجَ، فَلَمَّا كَانَ فِي التَّجْزِئَةِ مَشَقَّةٌ اكْتَفَى بِغَسْلِ الظَّاهِرِ مِنْ الْجَمِيعِ.
وَقَدْ يَصِحُّ بِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي: فَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ لِحْيَتُهُ كَثَّةً) قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَانَتْ لِحْيَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلِيلَةً عَظِيمَةً، وَلَا يُقَالُ كَثَّةً وَلَا كَثِيفَةً (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّعْرَ أَصْلٌ لَا بَدَلٌ) أَيْ وَمِنْ ثَمَّ يَجُوزُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِهِ وَبِبَاطِنِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَدِّهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ لَوْ مُدَّتْ فِي جِهَةِ اسْتِرْسَالِهِ لَا تُجَاوِزُ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَالْخَارِجَةُ هِيَ مَا جَاوَزَتْ ذَلِكَ كَذَا قِيلَ.
وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ اللِّحْيَةُ خَارِجَةً عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ دَائِمًا مَعَ أَنَّهُمْ فَصَلُوا فِيهَا بَيْنَ الْخَارِجَةِ عَنْ حَدِّهِ وَالدَّاخِلَةِ فِيهِ انْتَهَى.
ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى مَنْهَجٍ مَا نَصُّهُ: الْمُرَادُ بِخُرُوجِ الشَّعْرِ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ أَنْ يَلْتَوِيَ عَنْ اعْتِدَالٍ إلَى تَحْتُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا طَالَ إلَى جِهَةِ اسْتِقْبَالِ الْوَجْهِ فَكُلُّهُ فِي حَدِّ الْوَجْهِ فَلَهُ حُكْمُ مَا فِي حَدِّ الْوَجْهِ انْتَهَى.
وَهُوَ أَيْضًا لَا يُعْلَمُ مِنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا فِي حَدِّ الْوَجْهِ وَبَيْنَ اللِّحْيَةِ وَبَيْنَ مَا خَرَجَ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ:
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَنَصَّ عَلَى شَعْرِهِ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ الْإِشْكَالِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ ذِكْرَ شَعْرًا تَكْرَارٌ.
وَسَكَتَ عَنْ الْجَوَابِ عَنْ كَوْنِ بَشَرًا غَيْرَ صَالِحٍ لِتَفْسِيرِ مَا قَبْلَهُ، ثُمَّ إنَّ مَا أَجَابَ بِهِ يَنْحَلُّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ إلَى قَوْلِنَا، وَيَجِبُ غَسْلُ كُلِّ هُدْبٍ وَحَاجِبٍ وَعَذَارٍ وَشَارِبٍ وَعَنْفَقَةٍ مِنْ حَيْثُ الْبَشَرَةُ وَكُلُّ خَدٍّ مِنْ حَيْثُ الشَّعْرُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.
ثُمَّ رَأَيْت الشِّهَابَ ابْنَ حَجَرٍ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنَابِتُهَا) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَلَا يُكَلَّفُ غَسْلَ بَاطِنِهَا، وَهُوَ الْبَشَرَةُ، وَدَاخِلَهَا، وَهُوَ مَا اسْتَتَرَ مِنْ شَعْرِهَا (قَوْلُهُ:، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّعْرَ أَصْلٌ لَا بَدَلٌ) سَيَأْتِي لَهُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّهُ قَالَ:، وَالْأَصَحُّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَشَرَةِ وَالشَّعْرِ هُنَا أَصْلٌ، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَكْفِي مَسْحُ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا هُنَا، وَقَضِيَّةُ مَا رَتَّبَهُ هُنَاكَ عَلَى الْأَصَالَةِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي هُنَا إلَّا غَسْلُ الشَّعْرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ، وَلَعَلَّهَا مُرَادُهُ وَإِنْ كَانَ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَلْيَنْظُرْ مَا الْأَصْلُ فِيمَا يَجِبُ