للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَسْحًا، وَلَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ بَعْدَ مَسْحِهِ لَمْ يُعِدْ الْمَسْحَ

الْخَامِسُ مِنْ الْفُرُوضِ (غَسْلُ رِجْلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦] قُرِئَ بِالنَّصْبِ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْوُجُوهِ لَفْظًا فِي الْأَوَّلِ وَمَعْنًى فِي الثَّانِي لِجَرِّهِ بِالْجِوَارِ أَوْ لَفْظًا أَيْضًا عَطْفًا عَلَى الرُّءُوسِ، وَيُحْمَلُ الْمَسْحُ عَلَى مَسْحِ الْخُفِّ أَوْ عَلَى الْغَسْلِ الْخَفِيفِ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ مَسْحًا، وَنُكْتَةُ إيثَارِهِ طَلَبُ الِاقْتِصَادِ إذْ الْأَرْجُلُ مَظِنَّةُ الْإِسْرَافِ، وَعَلَيْهِ فَالْبَاءُ الْمُقَدَّرَةُ لِلْإِلْصَاقِ وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَمَا صَحَّ مِنْ وُجُوبِ الْغَسْلِ (مَعَ كَعْبَيْهِ) مِنْ كُلِّ رِجْلٍ وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ، وَيَجِبُ إزَالَةُ مَا يُذَابُ فِي الشَّقِّ مِنْ نَحْوِ شَمْعٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِرِجْلِهِ كَعْبٌ اُعْتُبِرَ قَدْرُهُ مِنْ الْمُعْتَدِلِ مِنْ غَالِبِ أَمْثَالِهِ، وَلَوْ قَطَعَ بَعْضَ قَدَمِهِ وَجَبَ غَسْلُ الْبَاقِي، وَإِنْ قَطَعَ فَوْقَ الْكَعْبِ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ غَسْلُ الْبَاقِي كَالْيَدِ وَيَأْتِي فِيهِمَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ غَسْلِ شَعْرٍ وَسِلْعَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَحَلُّ تَعَيُّنِ وُجُوبِ غَسْلِهِمَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُرِدْ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ كَمَا سَيَأْتِي.

السَّادِسُ مِنْ الْفُرُوضِ (تَرْتِيبُهُ) (هَكَذَا) بِأَنْ يَغْسِلَ وَجْهَهُ مَعَ النِّيَّةِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ، «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَوَضَّأْ إلَّا مُرَتَّبًا» ، وَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَتَرَكَهُ فِي وَقْتٍ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ كَمَا فِي التَّثْلِيثِ وَنَحْوِهِ وَلِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» الشَّامِلِ لِلْوُضُوءِ وَإِنْ وَرَدَ فِي الْحَجِّ إذْ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَهُوَ عَامٌّ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مَمْسُوحًا بَيْنَ مَغْسُولَاتٍ، وَتَفْرِيقُ الْمُتَجَانِسِ لَا تَرْتَكِبُهُ الْعَرَبُ إلَّا لِفَائِدَةٍ وَهِيَ هُنَا وُجُوبُ التَّرْتِيبِ لَا نَدْبُهُ بِقَرِينَةِ الْأَمْرِ فِي الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الْعَرَبَ إذَا ذَكَرَتْ مُتَعَاطِفَاتٍ بَدَأَتْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، فَلَمَّا ذَكَرَ فِيهَا الْوَجْهَ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ الرَّأْسَ ثُمَّ الرِّجْلَيْنِ دَلَّتْ عَلَى الْأَمْرِ بِالتَّرْتِيبِ، وَإِلَّا لَقَالَ: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَاغْسِلُوا أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ، وَلِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُسْتَفِيضَةَ الشَّائِعَةَ فِي صِفَةِ وُضُوئِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُصَرِّحَةٌ بِهِ، وَلِأَنَّ الْآيَةَ بَيَانٌ لِلْوُضُوءِ الْوَاجِبِ، فَلَوْ قَدَّمَ عُضْوًا عَلَى مَحَلِّهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَلَوْ غَسَلَ أَرْبَعَةَ أَعْضَائِهِ مَعًا وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ارْتَفَعَ حَدَثُ وَجْهِهِ فَقَطْ حَيْثُ نَوَى مَعَهُ لِأَنَّ الْمَعِيَّةَ تُنَافِي التَّرْتِيبَ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ حَجَّةُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فَرْعٌ] لَوْ مَسَحَ عِرْقِيَّتَهُ مَثَلًا فَوَصَلَ الْبَلَلُ لِجِلْدِ رَأْسِهِ أَوْ شَعْرِهِ فَالْوَجْهُ جَرَيَانُ تَفْصِيلِ الْجُرْمُوقِ فِيهِ وَلَا يَتَّجِهُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْ م ر سم عَلَى بَهْجَةٍ.

وَقَالَ حَجّ: لَوْ وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ عَلَى خِرْقَةٍ عَلَى الرَّأْسِ فَوَصَلَ إلَيْهِ الْبَلَلُ أَجْزَأَهُ، قِيلَ الْمُتَّجِهُ تَفْصِيلُ الْجُرْمُوقِ انْتَهَى.

وَيُرَدُّ بِمَا مَرَّ أَنَّهُ حَيْثُ حَصَلَ الْغَسْلُ بِفِعْلِهِ بَعْدَ النِّيَّةِ لَمْ يُشْتَرَطْ تَذَكُّرُهَا عِنْدَهُ وَالْمَسْحُ مِثْلُهُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُرْمُوقِ بِأَنَّ ثَمَّ صَارِفًا وَهُوَ مُمَاثَلَةُ غَيْرِ الْمَمْسُوحِ عَلَيْهِ فَاحْتِيجَ لِقَصْدِ مُمَيِّزٍ لَا كَذَلِكَ هُنَا انْتَهَى

(قَوْلُهُ: لِجَرِّهِ بِالْجِوَارِ) فِيهِ نَظَرٌ بِأَنَّ شَرْطَ الْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى الْمَجْرُورِ حَرْفُ عَطْفٍ كَمَا لَوْ قِيلَ بِجُحْرِ ضَبٍّ خَرِبٍ (قَوْلُهُ: طَلَبُ الِاقْتِصَادِ) أَيْ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ إزَالَةُ مَا يُذَابُ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ كَانَ فِيمَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الشَّقِّ وَهُوَ ظَاهِرُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَلَ إلَى اللَّحْمِ بِبَاطِنِ الْجُرْحِ فَلَا يَجِبُ إزَالَتُهُ وَلَوْ كَانَ يُرَى (قَوْلُهُ: فَيُسَنُّ غَسْلُ الْبَاقِي) أَيْ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ

(قَوْلُهُ: عَنْ وَاحِدٍ) أَيْ مِنْ جَمَاعَةٍ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: لِجَرِّهِ بِالْجِوَارِ) فِي الْمُغْنِي أَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ يَمْنَعُ مِنْ الْجَرِّ بِالْجِوَارِ (قَوْلُ فَالْبَاءُ الْمُقَدَّرَةُ لِلْإِلْصَاقِ) تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ الْبَاءَ إذَا دَخَلَتْ فِي حَيِّزِ الْمُتَعَدِّي تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ (قَوْلُهُ: وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْمَذْكُورِ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ، وَهَذِهِ عِبَارَةُ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَعِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ الْكِتَابِ: وَالْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَعَيُّنِ غَسْلِهِمَا حَيْثُ لَا خُفَّ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ غَسَلَ أَرْبَعَةَ أَعْضَائِهِ مَعًا) لَيْسَ الْمُرَادُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ الْمَعِيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ حَتَّى لَوْ شَرَعُوا فِي بَقِيَّةِ أَعْضَائِهِ بَعْدَ غَسْلِ بَعْضِ الْوَجْهِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يَشْرَعَ فِي عُضْوٍ حَتَّى يُتِمَّ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَرَتَّبَ) يُشْبِهُ أَنَّ مِنْهُ مَا لَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ وَاسْتَمَرَّ الْمَاءُ يَجْرِي مِنْهُ عَلَى أَعْضَائِهِ؛ إذْ الدَّفْعَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>