للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ) يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ إذْ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ جَائِزٌ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِمِثْلِهِ إذَا لَمْ يَتَحَمَّلْ مُؤْنَةَ حَمْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْكُلْفَةِ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِمِثْلِ مَا لَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَالْمَانِعُ مِنْ طَلَبِ الْمِثْلِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَكَثِيرٍ مُؤْنَةُ الْحَمْلِ، وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ ابْنُ الصَّبَّاغِ كَوْنُ قِيمَةِ بَلَدِ الْمُطَالَبَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِهِمَا هُنَا، أَمَّا بِقِيَاسِ الْأَوْلَى أَوْ الْمُسَاوَاةِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى الْمُؤْنَةِ يَنْظُرُ إلَى الْقِيمَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى حُصُولِ الضَّرَرِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ يُشِيرُ إلَى كُلٍّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ، فَإِذَا أَقْرَضَهُ طَعَامًا أَوْ نَحْوَهُ بِمِصْرَ ثُمَّ لَقِيَهُ بِمَكَّةَ لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ بِمَكَّةَ أَغْلَى، كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَبِأَنَّ فِي نَقْلِهِ إلَى مَكَّةَ ضَرَرًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَحَيْثُ أَخَذَ الْقِيمَةَ فَهِيَ لِلْفَيْصُولَةِ لَا لِلْحَيْلُولَةِ، فَلَوْ اجْتَمَعَا بِبَلَدِ الْإِقْرَاضِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ رَدُّهَا وَطَلَبُ الْمِثْلِ وَلَا لِلْمُقْتَرِضِ اسْتِرْدَادُهَا.

أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ مُؤْنَةٌ أَوْ تَحَمَّلَهَا الْمُقْرِضُ فَيُطَالِبُهُ بِهِ.

نَعَمْ النَّقْدُ الْيَسِيرُ الَّذِي يَعْسُرُ نَقْلُهُ أَوْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُ بِتَفَاوُتِ الْبِلَادِ كَاَلَّذِي لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ.

وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ قَوْلُهُ أَوْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ بَنَاهُ الْمُعْتَرِضُ عَلَى عَدَمِ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ وَقَدْ مَرَّ رَدُّهُ.

(وَلَا يَجُوزُ) قَرْضُ نَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ اقْتَرَنَ (بِشَرْطِ) (رَدِّ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ أَوْ) رَدِّ (زِيَادَةٍ) عَلَى الْقَدْرِ الْمُقْرَضِ أَوْ رُدَّ جَيِّدٌ عَنْ رَدِيءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ شَرْطٍ جَرَّ مَنْفَعَةً لِلْمُقْرِضِ كَرَدِّهِ بِبَلَدٍ آخَرَ أَوْ رَهْنِهِ بِدَيْنٍ آخَرَ، فَإِنْ فَعَلَ فَسَدَ الْعَقْدُ لِخَبَرِ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً» أَيْ شَرَطَ فِيهِ مَا يَجُرُّ إلَى الْمُقْرِضِ مَنْفَعَةً " فَهُوَ رِبًا " وَرُوِيَ مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، لَكِنْ صَحَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ رَفْعَهُ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَاهُ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَوْضُوعَ الْقَرْضِ الْإِرْفَاقُ، فَإِذَا شَرَطَ فِيهِ لِنَفْسِهِ حَقًّا خَرَجَ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَمُنِعَ صِحَّتُهُ، وَشَمَلَ ذَلِكَ شَرْطًا يَنْفَعُ الْمُقْرِضَ وَالْمُقْتَرِضَ فَيَبْطُلُ بِهِ الْعَقْدُ فِيمَا يَظْهَرُ وَمِنْهُ الْقَرْضُ لِمَنْ يَسْتَأْجِرُ مِلْكَهُ: أَيْ مَثَلًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ الْقَرْضِ إنْ وَقَعَ ذَلِكَ شَرْطًا إذْ هُوَ حِينَئِذٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

حَضَرَهُ فِي زَمَنِ الْأَمْنِ وَجَبَ قَبُولُهُ، فَالْمُرَادُ مِنْ التَّشْبِيهِ مُجَرَّدُ أَنَّ الْقَرْضَ قَدْ يَجِبُ قَبُولُهُ إذَا أَتَى بِهِ لِلْمُقْرِضِ وَقَدْ لَا يَجِبُ، كَمَا أَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ قَدْ يَجِبُ قَبُولُهُ وَقَدْ لَا يَجِبُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى حَجّ مَا يُوَافِقُهُ (قَوْلُهُ: بِقِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ إلَخْ) وَتُعْرَفُ قِيمَتُهُ بِهَا مَعَ كَوْنِهِمَا فِي غَيْرِهَا إمَّا بِبُلُوغِ الْأَخْبَارِ أَوْ بِاسْتِصْحَابِ مَا عَلِمُوهُ بِبَلَدِ الْإِقْرَاضِ قَبْلَ مُفَارَقَتِهَا أَوْ بَعْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ. [فَائِدَةٌ] قَالَ حَجّ: وَلَوْ قَالَ: أَقْرِضْنِي عَشَرَةً مَثَلًا فَقَالَ: خُذْهَا مِنْ فُلَانٍ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ تَحْتَ يَدِهِ جَازَ وَإِلَّا فَهُوَ وَكِيلٌ فِي قَبْضِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ قَرْضِهَا، وَيُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الشَّارِحِ السَّابِقُ وَلَوْ قَالَ: أَقْبِضْنِي دَيْنِي وَهُوَ لَك إلَخْ (قَوْلُهُ: الَّذِي يَعْسُرُ نَقْلُهُ) أَيْ لِخَوْفِ الطَّرِيقِ مَثَلًا

(قَوْلُهُ: كَرَدِّهِ بِبَلَدٍ آخَرَ) وَمِنْهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ قَوْلِهِ لِلْمُقْتَرِضِ: أَقْرَضْتُك هَذَا عَلَى أَنْ تَدْفَعَ بَدَلَهُ لِوَكِيلِي بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ (قَوْلُهُ: فَسَدَ الْعَقْدُ) وَمَعْلُومُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْفَسَادِ بِحَيْثُ وَقَعَ الشَّرْطُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ. أَمَّا لَوْ تَوَافَقَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَقَعْ شَرْطٌ فِي الْعَقْدِ فَلَا فَسَادَ (قَوْلُهُ: إنْ وَقَعَ ذَلِكَ شَرْطًا) أَيْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

الْفَرَحِ يُعْطِيهِ لِمَنْ يَشَاءُ. (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِمِثْلِهِ إذَا لَمْ يَتَحَمَّلْ مُؤْنَةَ حَمْلِهِ إلَخْ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِمَحَلِّ الظَّفَرِ أَقَلُّ قِيمَةً كَمَا إذَا أَقْرَضَهُ طَعَامًا بِمَكَّةَ ثُمَّ لَقِيَهُ بِمِصْرَ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُطَالَبَتُهُ بِالْقِيمَةِ بَلْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مِثْلُهُ. (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ مُؤْنَةٌ) أَيْ: وَلَا كَانَتْ قِيمَتُهُ بِبَلَدِ الْمُطَالَبَةِ أَكْثَرَ، وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ أَوْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُ لِتَفَاوُتِ الْبِلَادِ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ النَّقْدُ الْيَسِيرُ الَّذِي يَعْسُرُ نَقْلُهُ) لَعَلَّهُ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: أَوْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُ بِتَفَاوُتِ الْبِلَادِ) وَمِنْهُ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مَا إذَا أَقْرَضَهُ دَنَانِيرَ مَثَلًا بِمِصْرَ ثُمَّ لَقِيَهُ بِمَكَّةَ وَقِيمَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>