كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ) وَإِنْ تَعَذَّرَ تَجْفِيفُهَا (لَمْ يَنْفَسِخْ الرَّهْنُ بِحَالٍ) وَلَوْ طَرَأَ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّ الدَّوَامَ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الْآبِقِ بَاطِلٌ وَلَوْ أَبِقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَنْفَسِخْ فَيُبَاعُ حِينَئِذٍ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَجْفِيفِهِ قَهْرًا عَلَى الرَّاهِنِ إنْ امْتَنَعَ وَقُبِضَ الْمَرْهُونُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ حِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ.
وَهَلْ يَصِحُّ رَهْنُ الْقَصَبِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ قِيَاسًا عَلَى رَهْنِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا؟ أَطْلَقَ الشَّارِحُ فِي إفْتَاءٍ لَهُ صِحَّةَ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ امْتِنَاعَهُ، وَفَصَّلَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ: يَصِحُّ إنْ كَانَتْ بِدَيْنٍ حَالٍّ وَشُرِطَ قَطْعُهَا وَبَيْعُهَا أَوْ بَيْعُهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ مُطْلَقًا أَوْ مُؤَجَّلًا يَحِلُّ مَعَ الْإِدْرَاكِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَشَرْطُ الْقَطْعِ وَالْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ اهـ قَالَ: وَإِطْلَاقُ الشَّارِحِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِمَّا تَقَرَّرَ، وَمَا نُوَزِّعُ بِهِ مِنْ ظُهُورِ الْفَرْقِ فَإِنَّ الْمُتَرَقَّبَ هُنَا بُدُوُّ الصَّلَاحِ فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَى مُتَرَقَّبِ الْفَسَادِ غَيْرُ صَحِيحٍ، إذْ الْجَامِعُ فِي الْحَالَتَيْنِ وُجُودُ مُسَوِّغِ الْبَيْعِ فَالْوَجْهُ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ.
(وَيَجُوزُ أَنْ) (يَسْتَعِيرَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ) بِدَيْنِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ ضِمْنًا كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: ارْهَنْ عَبْدَك عَلَى دَيْنِي فَفَعَلَ فَإِنَّهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ فَيَصِحُّ إنْ ظَهَرَتْ حَبَّاتُهُ كَالشَّعِيرِ وَإِلَّا فَلَا
(قَوْلُهُ: وَلَوْ طَرَأَ) غَايَةٌ (قَوْلُهُ: قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ بَلْ يُبَاعُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَثَمَنُهُ رَهْنٌ اهـ عُبَابٌ.
وَخَرَجَ بِبَعْدِ الْقَبْضِ قَبْلَهُ فَلَا يُبَاعُ قَهْرًا عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ لَازِمٍ حِينَئِذٍ، وَهَلْ يَبِيعُهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ لَهُ فِي بَيْعِهِ وَيَكُونُ إذْنُهُ هُنَا مُسْتَلْزِمًا لِتَقْدِيرِ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ لَهُ عَنْ الرَّهْنِ فَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا، أَوْ لَا يُبَاعُ وَلَا نَظَرَ لِإِذْنِهِ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ لُزُومِ الرَّهْنِ الْمُقْتَضِي لِتَسَلُّطِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى بَيْعِهِ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَيَأْتِي قُبَيْلَ الرُّكْنِ الثَّانِي مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا: ارْهَنْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ بِدَيْنِهِ عَلَيَّ مُتَضَمِّنًا بِقَبْضِهِ وَكَذَا إذْنُهُ فِي بَيْعِهِ هُنَا بَلْ قَدْ يُقَالُ: مَا هُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ وُجِدَ عَقْدُ الرَّهْنِ الْمُسْتَدْعِي لُزُومَهُ إلَى تَقْدِيرِ الْقَبْضِ وَلَا كَذَلِكَ ثَمَّ، وَعَلَى الثَّانِي فَهَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ عَنْ الرَّهْنِ وَيَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُ بِإِذْنِهِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي ثَمَنِهِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي بَيْعِهِ مُطْلَقًا بَلْ عَنْ جِهَةِ الرَّهْنِ الَّذِي لَمْ يَلْزَمْ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ اهـ إيعَابٌ.
أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِمَا عَلَّلَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَقُبِضَ الْمَرْهُونُ) أَمَّا قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَا إجْبَارَ لِأَنَّ الرَّهْنَ جَائِزٌ مِنْ جِهَتِهِ فَلَهُ فَسْخُهُ (قَوْلُهُ: حِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ) فِي نُسْخَةٍ: وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّارِحُ فِي إفْتَاءٍ لَهُ صِحَّةَ رَهْنِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَغَيْرُهُ امْتِنَاعُهُ وَفَصَّلَ الْوَالِدُ إلَخْ وَهِيَ الْمُنَاسِبَةُ لِتَأْنِيثِ الضَّمِيرِ، لَكِنْ مَا فِي الْأَصْلِ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ حُكْمَ الثَّمَرَةِ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ رَهَنَ الثَّمَرَةَ مُفْرَدَةً فَإِنْ كَانَتْ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَهَلْ يَصِحُّ رَهْنُ الْقَصَبِ) أَيْ الْفَارِسِيِّ (قَوْلُهُ: عَلَى رَهْنِ الثَّمَرَةِ) أَيْ الَّتِي تَتَجَفَّفُ (قَوْلُهُ: فَقَالَ: يَصِحُّ إنْ كَانَ) أَيْ الْقَصَبُ (قَوْلُهُ أَوْ مُؤَجَّلًا) أَيْ أَوْ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي رَهَنَ بِهِ مُؤَجَّلًا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ مُؤَجَّلٌ لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ حَالٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ) شَمَلَ مَا لَوْ كَانَ يَحِلُّ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ أَوْ مَعَهُ وَلَمْ يُشْرَطْ قَطْعُهُ، وَفِي فَسَادِ الرَّهْنِ حِينَئِذٍ نَظَرٌ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ صِحَّتِهِ وَإِجْبَارِ الرَّاهِنِ عَلَى بَيْعِهِ بَعْدَ الْحُلُولِ؟ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ إدْرَاكِهِ دُخُولُ أَوَانِ قَطْعِهِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِتَأْخِيرِ قَطْعِهِ مُدَّةً بَعْدَ إدْرَاكِهِ لِيَتِمَّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَتَأْخِيرِ جِذَاذِ الثَّمَرَةِ مُدَّةً عَنْ بُدُوِّ صَلَاحِهَا.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُعِيرُ رَبَّ الدَّيْنِ وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِعَدَمِ انْطِبَاقِ ضَابِطِ الرَّهْنِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَأَنَّهُ رَهَنَ مَالَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ مَالَهُ وَلَا مَعْنَى لَهُ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
الشَّرْحِ
. (قَوْلُهُ: إنْ امْتَنَعَ وَقَبَضَ الْمَرْهُونَ) الْوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ
. (قَوْلُهُ: أَوْ قَبْلَهُ) وَفِي شَرْطِ الْقَطْعِ وَالْبَيْعِ قِيَاسُ مَا قَدَّمَهُ فِي الدَّيْنِ الْحَالِّ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ: أَيْ بِأَنْ شَرَطَ قَطْعَهُ وَبَيْعَهُ أَوْ بَيْعَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِمَّا تَقَرَّرَ) يَعْنِي فِيمَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: فَالْوَجْهُ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ) قَدْ يُقَالُ: بَلْ الْوَجْهُ مَا أَطْلَقَهُ الْجَلَالُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَصَبِ وَالثَّمَرَةِ فِيمَا مَرَّ فِيهَا إذَا لَمْ يُرَدْ بِهَا فِي كَلَامِهِمْ مَا يَشْمَلُ الْقَصَبَ