للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشَّهِيدِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ.

نَعَمْ نَظِيرُ دَمِ الشَّهِيدِ أَنْ يُسَوِّك مُكَلَّفٌ صَائِمًا بَعْدَ الزَّوَالِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا شَكَّ كَمَا قَالَهُ فِي الْخَادِمِ فِي تَحْرِيمِهِ، وَاخْتَصَّتْ الْكَرَاهَةُ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ بِالصَّوْمِ إنَّمَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ فَيُحَالُ عَلَى نَوْمٍ أَوْ أَكْلٍ فِي اللَّيْلِ أَوْ نَحْوِهِمَا.

وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ وَاصَلَ وَأَصْبَحَ صَائِمًا كُرِهَ لَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ كَمَا قَالَهُ الْجِيلِيُّ، وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ الْغَزِّيِّ كَصَاحِبِ الْأَنْوَارِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَوْ لِمَنْ لَمْ يَتَسَحَّرْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ التَّغَيُّرِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَنَّهُ يُحَالُ عَلَى التَّغَيُّرِ مِنْ الطَّعَامِ، بِخِلَافِهِ بَعْدَهُ فَأَنَاطُوهُ بِالْمَظِنَّةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْأَفْرَادِ كَالْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ، وَعُلِمَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَسْتَاكُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِصَلَاةٍ أَوْ نَحْوِهَا، إذْ لَوْ طُلِبَ مِنْهُ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ لَا خُلُوفَ غَالِبًا إذْ لَا بُدَّ مِنْ مَجِيءِ صَلَاةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ.

نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ فَمُهُ بَعْدَهُ بِنَحْوِ نَوْمٍ اسْتَاكَ لِإِزَالَتِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَوْ أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مُوجَرًا مَا زَالَ بِهِ الْخُلُوفُ أَوْ قَبْلَهُ مَا مَنَعَ ظُهُورَهُ وَقُلْنَا بِعَدَمِ فِطْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَهَلْ يُكْرَهُ لَهُ السِّوَاكُ أَمْ لَا لِزَوَالِ الْمَعْنَى؟ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَإِطْلَاقُهُمْ يُفْهِمُ التَّعْمِيمَ، وَلَا يَجِبُ السِّوَاكُ عَلَى مَنْ تَنَجَّسَ فَمُهُ بِدُسُومَةٍ إذْ الْوَاجِبُ إزَالَتُهَا بِسِوَاكٍ أَوْ غَيْرِهِ.

وَمِنْ فَوَائِدِ السِّوَاكِ أَنَّهُ يُطَهِّرُ الْفَمَ وَيُرْضِي الرَّبَّ وَيُطَيِّبُ النَّكْهَةَ وَيُبَيِّضُ الْأَسْنَانَ وَيَشُدُّ اللِّثَةَ وَيُسَوِّي الظَّهْرَ وَيُبَطِّئُ الشَّيْبَ وَيُضَاعِفُ الْأَجْرَ وَيُذْكِي الْفَطِنَةَ وَيُصَفِّي الْخِلْقَةَ وَيُسَهِّلُ النَّزْعَ وَيُذَكِّرُ الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ

(وَ) مِنْ سُنَنِهِ (التَّسْمِيَةُ أَوَّلُهُ) أَيْ الْوُضُوءِ وَلَوْ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ كَمَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَالْبَغَوِيُّ فَلَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وِفَاقًا لِابْنِ الصَّلَاحِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَخْتَصُّ لِتَقْيِيدِهِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذِكْرَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْجَزَاءِ انْتَهَى ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ وَاصَلَ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَتَعَاطَ مُفْطِرًا (قَوْلُهُ: كَالْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ) هَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِلْمُوَاصِلِ قَبْلَ الزَّوَالِ مَعَ وُجُودِ الْمَظِنَّةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا يَكُونُ مَظِنَّةً مَعَ وُجُودِ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ.

وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الْمُوَاصَلَةَ بِمَا لَا يُحَالُ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ بِوَجْهٍ كَابْتِلَاعِ رِيقِهِ بَعْدَ ظُهُورِهِ عَلَى شَفَتَيْهِ كَرَاهَةَ الِاسْتِيَاكِ بَعْدَ الْفَجْرِ لِانْتِفَاءِ مَا هُوَ مَظِنَّةٌ لِلتَّغَيُّرِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ حَجّ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ تَمَحَّضَ التَّغَيُّرُ مِنْ الصَّوْمِ قَبْلَ الزَّوَالِ بِأَنْ لَمْ يَتَعَاطَ مُفْطِرًا يَنْشَأُ عَنْهُ تَغَيُّرٌ لَيْلًا كُرِهَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ.

وَنَقَلَ بِالدَّرْسِ عَنْ شَرْحِ الْعُبَابِ لِلشَّارِحِ مَا يُوَافِقُ مَا قَالَهُ حَجّ نَقْلًا عَنْ وَالِدِهِ، وَنَصُّ مَا نَقَلَ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ فَرْضَ الْكَلَامِ فِيمَا يُحْتَمَلُ تَغَيُّرُهُ بِهِ، أَمَّا لَوْ أَفْطَرَ بِمَا لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُحَالَ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ كَنَحْوِ سِمْسِمَةٍ أَوْ جِمَاعٍ فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ وَاصَلَ، أَفَادَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَقَالَ إنَّ وَالِدَهُ أَفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ فَمُهُ بَعْدَهُ) أَيْ الزَّوَالِ (قَوْلُهُ: يُطَهِّرُ الْفَمَ) أَيْ يُنَظِّفُهُ (قَوْلُهُ: وَيُصَفِّي الْخِلْقَةَ) أَيْ لَوْنَ الْبَدَنِ (قَوْلُهُ وَيُسَهِّلُ النَّزْعَ) مُقْتَضَى عَدِّهِ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اسْتِعْمَالِهِ بَيْنَ وَقْتِ النَّزْعِ وَغَيْرِهِ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ لِجَوَازِ أَنَّ هَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ جُعِلَتْ لَهُ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَيَتَأَكَّدُ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ خَبَرُ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، يُقَالُ إنَّهُ يُسَهِّلُ خُرُوجَ الرُّوحِ لِجَوَازِ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَبْلَغُ فِي تَسْهِيلِ خُرُوجِ الرُّوحِ مِنْهُ قَبْلَ الِاحْتِضَارِ (قَوْلُهُ: وَيُذَكِّرُ الشَّهَادَةَ) . [فَائِدَةٌ] لَوْ اجْتَمَعَ فِي الشَّخْصِ خَصْلَتَانِ إحْدَاهُمَا تُذَكِّرُ الشَّهَادَةَ وَالْأُخْرَى تُنْسِيهَا كَالسِّوَاكِ وَأَكْلِ الْحَشِيشَةِ مَثَلًا هَلْ يَغْلِبُ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ؟ فِيهِ نَظَرٌ: وَنَقَلَ بِالدَّرْسِ عَنْ الْمُنَاوِيِّ تَغْلِيبَ الْأُولَى تَحْسِينًا لِلظَّنِّ فَلْيُرَاجَعْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: يُفْهِمُ التَّعْمِيمَ) أَيْ فَيُكْرَهُ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي النَّوْمِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِلتَّغَيُّرِ هُنَاكَ لَا هُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>