شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَالْعِصْيَانُ لِعَارِضٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّئُوا بِسْمِ اللَّهِ» أَيْ قَائِلِينَ ذَلِكَ، وَأَقَلُّهَا بِسْمِ اللَّهِ، وَأَكْمَلُهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَنِعْمَتِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْمَاءَ طَهُورًا، زَادَ الْغَزَالِيُّ: رَبِّ أَعُوذُ بِك مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِك رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونَ.
وَيُسَنُّ التَّعَوُّذُ قَبْلَهَا، وَتُسَنُّ لِكُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ عِبَادَةً أَوْ غَيْرَهَا كَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَتِلَاوَةٍ وَلَوْ مِنْ أَثْنَاءِ سُورَةٍ وَجِمَاعٍ وَذَبْحٍ وَخُرُوجٍ مِنْ مَنْزِلٍ لَا لِلصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالْأَذْكَارِ، وَتُكْرَهُ لِمَكْرُوهٍ، وَيَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَحْرِيمُهَا لِمُحَرَّمٍ (فَإِنْ تَرَكَ) التَّسْمِيَةَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ فِي أَوَّلِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ كَذَلِكَ (فَفِي أَثْنَائِهِ) يَأْتِي بِهَا تَدَارُكًا لِمَا فَاتَهُ فَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي مَا بَعْدَ فَرَاغِ وُضُوئِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ الْأَكْلِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ) مِنْهُمْ الْأَذْرَعِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ (قَوْلُهُ: زَادَ الْغَزَالِيُّ) أَيْ فِي بِدَايَةِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ أَثْنَاءِ سُورَةٍ) شَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ قَرَأَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَثْنَاءِ سُورَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْمُرَادُ بِالْأَثْنَاءِ مَا بَعْدَ أَوَّلِ السُّورَةِ وَلَوْ بِنَحْوِ آيَةٍ وَقَبْلَ آخِرِهَا كَذَلِكَ، وَظَاهِرُ اقْتِصَارِهِمْ فِي بَيَانِ السُّنَّةِ عَلَى التَّسْمِيَةِ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ التَّعَوُّذُ قَبْلَهَا فِي الْمَذْكُورَاتِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ طَلَبِ التَّعَوُّذِ قَبْلَ الْبَسْمَلَةِ فِي الْوُضُوءِ طَلَبُهَا فِيمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ وَجِمَاعٍ) قَالَ حَجّ وَلَوْ تَرَكَهَا فِي أَوَّلِهِ لَا يَأْتِي بِمَا فِي أَثْنَائِهِ لِكَرَاهَةِ الْكَلَامِ عِنْدَهُ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ لِكَرَاهَةِ الْكَلَامِ عِنْدَهُ وَقِيَاسُ مَا فِي آدَابِ الْخَلَاءِ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَطَسَ فِيهِ حَمِدَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ أَنَّهُ يُلَاحِظُ التَّسْمِيَةَ بِقَلْبِهِ بَاطِنًا هُنَا، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ هُنَا لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هُنَاكَ فِي أَنَّ كَرَاهَةَ الْكَلَامِ هَلْ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَكَانِ أَوْ بِحَالَةِ الشَّخْصِ فَلَا يُكْرَهُ إلَّا عِنْدَ خُرُوجِ الْخَارِجِ، وَقَالَ أَيْضًا: تَحْصُلُ بِالْإِتْيَانِ بِهَا مِنْ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا يَظْهَرُ انْتَهَى: قُلْت: وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا دَفْعُ الشَّيْطَانِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِتَسْمِيَتِهَا، وَنُقِلَ عَنْ الشَّارِحِ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِهَا مِنْ الْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا يَكْفِي مِنْ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ انْتَهَى.
وَفِيهِ وَقْفَةٌ (قَوْلُهُ: تَحْرِيمُهَا لِمُحَرَّمٍ) أَيْ لِذَاتِهِ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ، بَقِيَ الْمُبَاحَاتُ الَّتِي لَا شَرَفَ فِيهَا كَنَقْلِ مَتَاعٍ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ، وَقَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَرَامًا وَلَا مَكْرُوهًا وَلَا ذَا بَالٍ (قَوْلُهُ: تَدَارُكًا لِمَا فَاتَهُ) قَالَ الْمَحَلِّيُّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ الْوُضُوءَ أَوَّلَهُ لِيُثَابَ عَلَى سُنَنِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ اهـ.
قَالَ سم عَلَى حَجّ: قَوْلُهُ لِيُثَابَ عَلَى إلَخْ قَضِيَّتُهُ حُصُولُ السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ ثَوَابٍ اهـ.
لَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ بِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ أَيْضًا اهـ.
أَقُولُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ يَقَعُ عَنْ الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا، فَمُجَرَّدُ وُقُوعِهِ حَيْثُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالنِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعَادَةِ فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً (قَوْلُهُ أَوَّلُهُ) أَيْ الْأَوْلَى ذَلِكَ، فَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ حَصَلَتْ السُّنَّةُ.
وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا أَنَّ كُلًّا كَافٍ فِي حُصُولِ السُّنَّةِ، وَمُرَادُهُ بِالْأَوَّلِ مَا قَابَلَ الْآخِرَ فَيَدْخُلُ الْوَسَطُ (قَوْلُهُ بَعْدَ فَرَاغِ وُضُوئِهِ) وَانْظُرْ مَا فَرَاغُهُ: أَيْ الْوُضُوءِ هَلْ هُوَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ أَوْ الذِّكْرُ الَّذِي بَعْدَهُ اهـ سم فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ.
قُلْت: الْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عَوْدُ الْبَرَكَةِ عَلَى جَمِيعِ فِعْلِهِ وَمِنْهُ الذِّكْرُ، وَانْظُرْ لَوْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّشَهُّدِ وَطَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْفَرَاغِ وَبَيْنَ التَّشَهُّدِ فَهَلْ يُسَنُّ الْإِتْيَانُ بِالْبَسْمَلَةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: تَحْرِيمُهَا لِمُحْرِمٍ) أَيْ لِذَاتِهِ، فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَكْرُوهِ، وَلْيُنْظَرْ لَوْ أَكَلَ مَغْصُوبًا هَلْ هُوَ مِثْلُ الْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ الْحُرْمَةُ فِيهِ ذَاتِيَّةٌ؟ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَحِينَئِذٍ فَصُورَةُ الْمُحَرَّمِ الَّذِي تَحْرُمُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا أَوْ يَأْكُلَ مَيْتَةً لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَكْلِ الْمَغْصُوبِ أَنَّ الْغَصْبَ أَمْرٌ عَارِضٌ عَلَى حِلِّ الْمَأْكُولِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ بِخِلَافِ هَذَا (قَوْلُهُ: أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ) أَيْ الْأَكْمَلُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ تَحْصُلُ بِدُونِهِ