فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ أَوْ نِسْيَانٌ حَمَلَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ الْمُدَّعِي بِظُلْمِهِمَا بِالْإِنْكَارِ بِلَا تَأْوِيلٍ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي تَفْسِيقَهُمَا، وَمَا نُوزِعَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ ظُلْمٍ خَالٍ عَنْ تَأْوِيلٍ مُفَسِّقًا بِدَلِيلِ الْغِيبَةِ فِيهِ نَظَرٌ، إذْ الْكَلَامُ فِي ظُلْمٍ هُوَ كَبِيرَةٌ وَكُلُّ ظُلْمٍ كَذَلِكَ خَالٍ عَنْ التَّأْوِيلِ مُفَسِّقٌ، وَلَا تَرِدُ الْغِيبَةُ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِيهَا، فَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَلَوْ ادَّعَيَا عَلَى وَاحِدٍ أَنَّهُ رَهَنَهَا عَبْدَهُ وَأَقْبَضَهُ لَهُمَا وَصَدَّقَ أَحَدُهُمَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْمُصَدَّقِ بِفَتْحِ الدَّالِ لِلْمُكَذِّبِ إنْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكُهُ فِيهِ.
(وَلَوْ) (اخْتَلَفَا) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (فِي قَبْضِهِ) أَيْ الْمَرْهُونِ (فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ الرَّاهِنُ: غَصَبْتُهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ لُزُومِ الرَّهْنِ وَعَدَمُ إذْنِهِ فِي الْقَبْضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَوَافَقَهُ الرَّاهِنُ عَلَى إذْنِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَهُوَ قَبُولُ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَلِهَذَا لَوْ تَخَاصَمَ إلَخْ وَالْأَوْلَى رُجُوعُهُ لِقَوْلِ الشَّارِحِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فَرُبَّمَا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمَا نُوزِعَ بِهِ) أَيْ الْبُلْقِينِيُّ (قَوْلُهُ: فَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ) لَكِنْ قَدْ يُخَالِفُهُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ تَعَمَّدَا فَالْكَذْبَةُ الْوَاحِدَةُ إلَخْ مِنْ قَوْلِهِ اعْتِرَاضًا عَلَى الْإِسْنَوِيِّ، وَرُدَّ بِأَنَّ شَرْطَ إلَخْ وَمِنْ ثَمَّ رَدَّ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ تَبَعًا لحج مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِعَيْنِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ رَدًّا عَلَى الْإِسْنَوِيِّ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَا لَوْ تَخَاصَمَا فِي مَالٍ أَنْكَرَهُ أَحَدُهُمَا وَادَّعَاهُ الْآخَرُ فَلَا يُخَالِفُ مَا رُدَّ بِهِ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَيَا عَلَى وَاحِدٍ أَنَّهُ رَهَنَهُمَا عَبْدَهُ) فِي حَجّ: وَلَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ أَنَّهُ رَهَنَهُ كَذَا وَأَقْبَضَهُ لَهُ فَصَدَقَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ أَخَذَهُ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ تَحْلِيفُهُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا إذْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لَهُ، لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَاهُ فِي الْإِقْرَارِ وَالدَّعَاوَى وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُحْلِفُهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَوْ نَكَلَ فَحَلَفَ الْآخَرُ غَرِمَ لَهُ الْقِيمَةَ لِتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَاعْتَمَدَ ابْنُ الْعِمَادِ الْأَوَّلَ وَفَرَّقَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْلِفْ فِي هَذَيْنِ لَبَطَلَ الْحَقُّ مِنْ أَصْلِهِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا لِأَنَّ لَهُ مَرَدًّا وَهُوَ الذِّمَّةُ وَلَمْ يَفُتْ إلَّا التَّوَثُّقُ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَفَى بِفَوَاتِ التَّوَثُّقِ مُحْوِجًا إلَى التَّحْلِيفِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَصَدَقَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكَهُ) أَيْ شَرِيكَ الْمُصَدَّقِ فِي الدَّيْنِ.
(قَوْلُهُ: صُدِّقَ) أَيْ الرَّاهِنُ فِي عَدَمِ إذْنِهِ فِي الْقَبْضِ: أَيْ وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَلِفَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا وَأُجْرَتُهَا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ يَمِينَ الرَّاهِنِ إنَّمَا قَصَدَ بِهَا دَفْعَ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ لُزُومَ الرَّهْنِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ ثُبُوتُ الْغَصْبِ وَلَا غَيْرِهِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي قِدَمَهُ لِيَرُدَّ بِهِ وَادَّعَى الْبَائِعُ حُدُوثَهُ لِيَكُونَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ فُسِخَ عَقْدُ الْبَيْعِ وَرُدَّ الْمَبِيعُ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ أَرْشُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ بِمُقْتَضَى تَصْدِيقِ الْبَائِعِ فِي دَعْوَى الْحُدُوثِ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ يَمِينَ الْبَائِعِ إنَّمَا صَلُحَتْ لِدَفْعِ الرَّدِّ فَلَا تَصْلُحُ لِتَغْرِيمِ الْأَرْشِ، وَعَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْمُرْتَهِنِ مَا ذَكَرَ فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ دَعْوَى جَدِيدَةً عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِأَنْ غَصَبَهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ مَا غَصَبَهُ وَأَنَّهُ قَبَضَهُ عَنْ جِهَةِ الرَّهْنِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مُجَرَّدَ حَلِفِ الرَّاهِنِ إنَّهُ مَا أَقْبَضَهُ عَنْ جِهَةِ الرَّهْنِ يُوجِبُ ضَمَانَ الْقِيمَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ بِيَمِينِ الرَّاهِنِ انْتَفَى اسْتِحْقَاقُ وَضْعِ يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ بِحَقٍّ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الِاخْتِلَافِ فِي قِدَمِ الْعَيْبِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ حَلِفَ الْبَائِعِ أَفَادَ عَدَمَ رَدِّ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا حَقٌّ لِلرَّاهِنِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ) وَخَرَجَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ مَا لَوْ كَانَ بِيَدِ الرَّاهِنِ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ كَمَا يَأْتِي
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْكَلَامُ إلَخْ) لِلشِّهَابِ سم فِي هَذَا بَحْثٌ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: فَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ) لَا يُلَائِمُ مَا قَدَّمَهُ فِي رَدِّ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ لِمَا لَا يَخْفَى مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ مُفَسِّقٌ
.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute