كَإِقْرَارِ مُقْتَرِضٍ بِقَبْضِ الْقَرْضِ وَبَائِعٍ بِقَبْضِ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُ الرَّاهِنِ بِالْإِقْبَاضِ عِنْدَ إمْكَانِهِ فَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ مَثَلًا فَقَالَ: رَهَنْتُهُ دَارِي بِالشَّامِ وَأَقْبَضْتُهُ إيَّاهَا وَهُمَا بِمَكَّةَ فَهُوَ لَغْوٌ، نَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِمَا يُمْكِنُ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ: أَيْ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا فِي الشَّرْعِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَكَّةَ وَهُوَ بِمِصْرَ فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ، وَلَوْ دَفَعَ الْمَرْهُونَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ قَصْدِ إقْبَاضِهِ عَنْ الرَّهْنِ هَلْ يَكْفِي عَنْهُ؟ وَجْهَانِ فِي التَّهْذِيبِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُهُ، بَلْ هُوَ وَدِيعَةٌ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ وَاجِبٌ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ.
(وَلَوْ) (قَالَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (جَنَى الْمَرْهُونُ) بَعْدَ الْقَبْضِ (وَأَنْكَرَ الْآخَرُ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْجِنَايَةِ وَبَقَاءُ الرَّهْنِ، وَإِذَا بِيعَ لِلدَّيْنِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِإِقْرَارِهِ، وَلَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ الْمُقِرِّ لِإِقْرَارِهِ (وَلَوْ) (قَالَ الرَّاهِنُ) بَعْدَ الْقَبْضِ: (جَنَى قَبْلَ الْقَبْضِ) سَوَاءٌ أَقَالَ جَنَى بَعْدَ الرَّهْنِ أَمْ قَبْلَهُ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ (فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ فِي إنْكَارِهِ) الْجِنَايَةَ صِيَانَةً لِحَقِّهِ فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ قَدْ يُوَاطِئُ مُدَّعِيَ الْجِنَايَةِ لِغَرَضِ إبْطَالِ الرَّهْنِ. وَالثَّانِي يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ فِي مِلْكِهِ بِمَا يَضُرُّهُ وَمَحَلُّ الْخِلَافُ عِنْدَ تَعْيِينِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَتَصْدِيقُهُ لَهُ وَدَعْوَاهُ وَإِلَّا فَالرَّهْنُ بَاقٍ بِحَالِهِ قَطْعًا وَدَعْوَى الرَّاهِنِ زَوَالُ الْمِلْكِ كَدَعْوَاهُ الْجِنَايَةِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: فَقَالَ رَهَنْتُهُ) أَيْ الْآنَ (قَوْلُهُ: دَارِي) زَادَ حَجّ الْيَوْمَ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِمَا يُمْكِنُ) أَيْ أَمَّا مَا يُوجَدُ مِنْ كَرَامَاتِهِمْ بِالْفِعْلِ كَمَا لَوْ ذَهَبَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي مَسْأَلَتِنَا لِلشَّامِ وَأَقْبَضَهُ الدَّارَ وَرَجَعَا إلَى مَكَّةَ أَوْ لَا فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِالْقَبْضِ، وَفِي حَجّ: نَعَمْ إذَا ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ وَجَبَ تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْإِمْكَانِ عَلَى طَرِيقِ الْكَرَامَةِ، قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ اهـ وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي فِيمَا بَيْنَ الْوَلِيِّ وَبَيْنَ اللَّهِ فِي أَمْرٍ مُوَافِقٍ لِلشَّرْعِ مَكَّنَهُ اللَّهُ مِنْهُ خَرْقًا لِلْعَادَةِ وَفَعَلَهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ بَاطِنًا، أَمَّا ظَاهِرًا فَلَا نَظَرَ لِلْإِمْكَانِ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ قَصْدٍ) أَيْ بِأَنْ أَطْلَقَ (قَوْلُهُ: أَصَحُّهُمَا عَدَمُهُ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ) قَضِيَّةُ هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ اشْتَرَطَ قَصْدَ الْإِقْبَاضِ عَنْ جِهَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ الْآنَ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِكَوْنِ الثَّمَنِ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا وَقَبَضَهُ الْبَائِعُ لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْإِقْبَاضِ عَنْ جِهَةِ الْبَيْعِ لِكَوْنِ التَّسْلِيمِ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ) قَالَ حَجّ: وَلَوْ رَهَنَ وَأَقْبَضَ مَا اشْتَرَاهُ ثُمَّ ادَّعَى فَسَادَ الْبَيْعِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ لِلتَّحْلِيفِ وَكَذَا بَيِّنَتُهُ إلَّا إنْ قَالَ هُوَ مِلْكِي غَيْرَ مُعْتَمَدٍ عَلَى ظَاهِرِ الْعَقْدِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ) تَفْسِيرٌ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ هُمَا لَا لِلْمُضَافِ وَهُوَ أَحَدُ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ أَوْ الْمُرْتَهِنُ وَبِهِ عَبَّرَ حَجّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، فَالْوَاوُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ وَأَوْ عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُضَافِ (قَوْلُهُ: عَلَى الرَّاهِنِ) أَيْ بَلْ كُلُّ الثَّمَنِ لِلْمُرْتَهِنِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ) لَكِنْ هَلْ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ بَيْعِهِ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِبَقَاءِ الرَّهْنِيَّةِ وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ لَا يَتَوَقَّفُ لِأَنَّ قَضِيَّةَ إقْرَارِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ الثَّمَنَ، وَالْقَلْبُ إلَى الْأَوَّلِ أَمْيَلُ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ كَمَا قَرَّرَهُ مَرَّ وَمَالَ إلَيْهِ أَقُولُ: وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِنَحْوِ إبْرَاءٍ فَيَزُولُ الْمَانِعُ مِنْ لُزُومِ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الرَّهْنِيَّةَ بَاقِيَةٌ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُقَدَّمٌ، فَإِذَا زَالَ بِنَحْوِ الْإِبْرَاءِ تَمَحَّضَ الِاسْتِحْقَاقُ لِلْمُرْتَهِنِ انْتَهَى سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: إلَى الْمُرْتَهِنِ) أَيْ بَلْ يُسَلَّمُ لِلرَّاهِنِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْقَبْضِ) أَيْ أَمَّا لَوْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيُصَدَّقُ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْإِقْبَاضُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَهُ) أَيْ الرَّاهِنِ (قَوْلُهُ: زَوَالَ الْمِلْكِ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ: كَدَعْوَاهُ) أَيْ فَلَا يُصَدَّقُ.
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِشَيْءٍ مَحْذُوفٍ لَكِنَّهُ مَعْلُومٌ: أَيْ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْقَبْضُ عَنْ الْبَيْعِ مَعَ الْإِطْلَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute