وَاغْتُفِرَ هُنَا عَنْ جَهَالَةِ الْمَرْهُونِ بِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَحَلُّ مَا مَرَّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ قَدْ أَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَإِلَّا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِلْحَجْرِ عَلَيْهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ مَا أَيِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ يَصِيرُ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَحِينَئِذٍ فَلِلْوَارِثِ وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَذَلِكَ دَفَعَهُ لِمُتَوَلِّي بَيْتِ الْمَالِ الْعَادِلِ وَإِلَّا فَلِقَاضٍ أَمِينٍ أَوْ ثِقَةٍ عَارِفٍ لِيَصْرِفَهُ فِي مَصَارِفِهِ أَوْ يَتَوَلَّى هُوَ ذَلِكَ إنْ عَرَفَهُ، وَيُغْتَفَرُ اتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبَضِ هُنَا لِلضَّرُورَةِ، وَكَالدَّيْنِ فِيمَا ذَكَرَ الْوَصِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ فَيَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ، وَكَذَا الَّتِي بِعَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ فَيَمْنَعُهُ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ مِنْهَا وَلِلْمُوصَى لَهُ فِدَاءُ الْمُوصَى بِهِ كَالْوَارِثِ (وَفِي قَوْلِهِ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي) لِثُبُوتِهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَشَمَلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ رَهْنٌ سَوَاءٌ أَكَانَ مُسَاوِيًا لَهُ أَمْ أَزْيَدَ مِنْهُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ ظُهُورًا قَوِيًّا أَنَّهُ يُوَفَّى مِنْهُ.
وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ لِلشَّيْءِ تَعَلُّقًا عَامًّا وَتَعَلُّقًا خَاصًّا. نَعَمْ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ التَّرِكَةِ فَوَفَّى الْوَارِثُ قَدْرَهَا انْفَكَّتْ مِنْ الرَّهِينَةِ (فَعَلَى) الْأَوَّلِ (الْأَظْهَرُ يَسْتَوِي الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ وَغَيْرُهُ) فِي رَهْنِ التَّرِكَةِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (فِي الْأَصَحِّ) كَالْمَرْهُونِ، وَالثَّانِي إنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ تَعَلُّقٍ بِقَدْرِهِ مِنْ التَّرِكَةِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِهَا لِأَنَّ الْحَجْرَ فِي مَالٍ كَثِيرٍ بِشَيْءٍ حَقِيرٍ بَعِيدٌ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ لَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كَتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ، لَكِنْ حُكِيَ فِي الْمَطْلَبِ الْخِلَافُ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَأَجَابَ الشَّارِحُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ رَجَّحُوا فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِقَدْرِهَا مِنْهُ وَقِيلَ بِجَمِيعِهِ، فَيَأْتِي تَرْجِيحُهُ هُنَا فَيُخَالِفُ الْمُرَجِّحُ عَلَى الْأَرْشِ الْمُرَجِّحَ عَلَى الرَّهْنِ، فَقَوْلُهُ فَعَلَى الْأَظْهَرِ إلَخْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ مَا مَرَّ) مِنْ تَعَلُّقِهِ بِالتَّرِكَةِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَلِلْوَارِثِ) الْأَوْلَى فَعَلَى الْوَارِثِ لِأَنَّ هَذَا وَاجِبٌ، وَعِبَارَةُ حَجّ: فَلِلْوَارِثِ وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَذَلِكَ رَفْعُ الْأَمْرِ لِقَاضٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَذَلِكَ) أَيْ أَيِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ (قَوْلُهُ: إنْ عَرَفَهُ) أَيْ وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِيمَا لَوْ أَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَأَذِنَ لَهُ الدَّافِعُ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ وَعَيَّنَ لَهُ مَا يَأْخُذُهُ بِلَا إفْرَازٍ، فَإِنْ أَفْرَزَهُ وَسَلَّمَهُ لَهُ مَلَكَهُ (قَوْلُهُ: اتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبَضِ) يَأْتِي أَنَّهُ قَدْ يُدْعَى أَنَّ الْفُقَرَاءَ مَثَلًا نَائِبُونَ عَنْ الْمَالِكِ فِي الْقَبْضِ، وَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إنَّمَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ فَلَا اتِّحَادَ، لَكِنْ يُشْكِلُ بِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَكُونُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي إزَالَةِ مِلْكِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فَنَمْنَعُهُ) أَيْ الْوَارِثَ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ مِنْ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا لِأَنَّهُ مِلْكُهُ الْمُوصَى لَهُ بِالْقَبُولِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ بِشَرْطِ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: فِيمَا يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ مِنْهَا) قَالَ حَجّ بَعْدَ مِثْلِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ: كَذَا قِيلَ؛ وَالْقِيَاسُ امْتِنَاعُ التَّصَرُّفِ فِي الْأُولَى فِي الْكُلِّ وَفِي الثَّانِيَةِ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ فَقَطْ حَتَّى يَرِدَ الْمُوصَى لَهُ أَوْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبُولِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ اهـ. وَمَا ذَكَرَ أَنَّهُ الْقِيَاسُ يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي، فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَظْهَرُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلِلْمُوصَى لَهُ) فَائِدَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ
(قَوْلُهُ: فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ) أَيْ لِنَفْسِهِ وَلَوْ بِإِذْنِ رَبِّ الدَّيْنِ، بِخِلَافِ تَصَرُّفِهِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَلَوْ بَاعَ لِأَجْلِهِ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَاغْتُفِرَ هُنَا جَهَالَةُ الْمَرْهُونِ بِهِ) أَيْ: بِالدَّيْنِ هُوَ التَّرِكَةُ لِيُوَافِقَ كَلَامَ غَيْرِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ قَوْلِهِ بِهِ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ) صَوَابُهُ الدَّائِنُ وَلَعَلَّ الْأَلِفَ سَقَطَتْ مِنْ الْكَتَبَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَالدَّيْنِ فِيمَا ذُكِرَ الْوَصِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ) أَيْ: فِي قَدْرِ الثُّلُثِ فَقَطْ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَيْنِ فِيمَا قَبْلَ الْقَبُولِ؛ إذْ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْقَبُولِ شَرِيكٌ مَالِكٌ. (قَوْلُهُ: وَلِلْمُوصَى لَهُ فِدَاءُ الْمُوصَى بِهِ) أَيْ: فِيمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ دَيْنٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ كَلَامُهُ) أَيْ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute