الْحَجْرَ عَلَى مُعَاذٍ كَانَ بِطَلَبِهِ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ كَانَ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ اهـ. وَلَا مَانِعَ مِنْ مُوَافَقَةِ سُؤَالِهِمْ لِسُؤَالِهِ وَمِنْ كَوْنِ الْوَاقِعَةِ مُتَعَدِّدَةً. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَصُورَتُهُ أَنْ يَثْبُتَ الدَّيْنُ بِدَعْوَى الْغُرَمَاءِ وَالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي وَطَلَبَ الْمَدْيُونُ الْحَجْرَ دُونَ الْغُرَمَاءِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَلَبُهُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يَحْجُرُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَالْحَجْرُ يُنَافِي الْحُرِّيَّةَ وَالرُّشْدَ، وَإِنَّمَا حَجَرَ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ لِلضَّرُورَةِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِمْ إلَّا بِالْحَجَرِ خَشْيَةَ الضَّيَاعِ، بِخِلَافِهِ فَإِنَّ غَرَضَهُ الْوَفَاءُ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ بِبَيْعِ أَمْوَالِهِ وَقِسْمَتِهَا عَلَى غُرَمَائِهِ.
(فَإِذَا حَجَرَ عَلَيْهِ) بِطَلَبٍ أَوْ دُونِهِ (تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ) كَالرَّهْنِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً حَتَّى لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِمَا يَضُرُّهُمْ وَلَا تُزَاحِمُهُمْ فِيهِ الدُّيُونُ الْحَادِثَةُ، وَشَمَلَ كَلَامُهُمْ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ حَتَّى لَا يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الظَّاهِرُ خِلَافُهُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَتَصِحُّ إجَازَتُهُ لِمَا فَعَلَهُ مُوَرِّثُهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَنْفِيذٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ حَجَر عَلَيْهِ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ عَلَى خِلَافِ الْمَصْلَحَةِ.
(وَأَشْهَدَ) الْحَاكِمُ اسْتِحْبَابًا (عَلَى حَجْرِهِ) أَيْ الْمُفْلِسِ وَأَشْهَرَهُ بِالنِّدَاءِ (لِيُحَذِّرَ) مِنْ مُعَامَلَتِهِ فَيَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْبَلَدِ أَنَّ الْحَاكِمَ حَجَرَ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَالَهُ الْعُمْرَانِيُّ (وَلَوْ) تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا مَالِيًّا مُفَوِّتًا فِي الْحَيَاةِ بِالْإِنْشَاءِ مُبْتَدَأً (وَكَأَنْ) (بَاعَ أَوْ وَهَبَ) أَوْ اشْتَرَى بِالْعَيْنِ (أَوْ أَعْتَقَ) أَوْ وَقَفَ أَوْ أَجَّرَ أَوْ كَاتَبَ (فَفِي قَوْلٍ يُوقَفُ تَصَرُّفُهُ) الْمَذْكُورُ وَإِنْ أَثِمَ بِهِ (فَإِنْ فَضَلَ ذَلِكَ عَنْ الدَّيْنِ) لِارْتِفَاعِ الْقِيمَةِ أَوْ إبْرَاءِ الْغُرَمَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ (نَفَذَ) أَيْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ نَافِذًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ (لَغَا) أَيْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ لَاغِيًا (وَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ) فِي الْحَالِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ كَالْمَرْهُونِ وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ عَلَى مُرَاغَمَةِ مَقْصُودِ الْحَجْرِ كَالسَّفِيهِ، وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ مِنْ مَنْعِ الشِّرَاءِ بِالْعَيْنِ مَا لَمْ يَدْفَعْ الْحَاكِمُ كُلَّ يَوْمٍ نَفَقَةً لَهُ وَلِعِيَالِهِ فَاشْتَرَى بِهَا قَالَ: فَإِنَّهُ يَصِحُّ جَزْمًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَأَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ تَصَرُّفُهُ فِي نَحْوِ ثِيَابِ بَدَنِهِ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ) أَيْ أَقْرَبُ لِلصَّوَابِ مِنْ حَيْثُ النَّقْلِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ كَوْنِ الْوَاقِعَةِ) أَيْ السُّؤَالِ وَإِلَّا فَبَعِيدٌ أَنَّهُ حَجَرَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَوْ تَكَرَّرَ لِنَقْلٍ (قَوْلُهُ: وَصُورَتُهُ) أَيْ الْحَجْرِ بِسُؤَالٍ (قَوْلُهُ: وَطَلَبَ الْمَدْيُونُ) لَا حَاجَةَ لِذِكْرِ هَذَا الْقَيْدِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِيمَا لَوْ طَلَبَ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ الْحَجْرُ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا حَجَرَ) مِنْ تَتِمَّةِ الْمُقَابِلِ
(قَوْلُهُ: أَوْ دُونَهُ) بِأَنْ كَانَ الْمَالُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ أَوْ مَسْجِدٌ وَلَمْ يَطْلُبْ وَلِيَّهُ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: عَيْنًا) أَيْ وَلَوْ مَغْصُوبَةً وَلَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ عَلَى مُعْسِرٍ (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْفَعَةً) أَيْ وَإِنْ قَلَّتْ، نَعَمْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ مُسْتَأْجِرٌ بِمَنْفَعَةِ مَا تَسَلَّمَهُ قَبْلَ الْفَلَسِ اهـ حَجّ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّسْلِيمُ قَبْلَ الْفَلَسِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ بَلْ يَكْفِي سَبْقُ عَقْدِهَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَشَمَلَ كَلَامُهُمْ الدَّيْنَ) أَيْ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ عَلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: الْإِبْرَاءُ مِنْهُ) أَيْ إبْرَاءُ الْمُفْلِسِ (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ) (إجَازَتُهُ) أَيْ الْمُفْلِسِ (قَوْلُهُ: مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهَا) أَيْ الْإِجَازَةِ (قَوْلُهُ: فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَيْعِ) أَيْ بِغَيْرِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا حَجْرَ بِغَيْرِ اللَّازِمِ.
(قَوْلُهُ: فَيَأْمُرُ مُنَادِيًا) أَيْ نَدْبًا: أَيْ وَأُجْرَةُ الْمُنَادِي إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ بَاعَ) أَيْ لِغَيْرِ غُرَمَائِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فَلَوْ بَاعَ مَالَهُ لِغُرَمَائِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَى مُرَاغَمَةٍ) أَيْ عَلَى مُخَالَفَةِ مَقْصُودٍ إلَخْ وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْمُرَاغَمَةِ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ التَّصَرُّفِ كَأَنَّهُ غَاصِبُ الْقَاضِي وَغُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ فَفِي الْمُخْتَارِ الْمُرَاغَمَةُ الْمُغَاصَبَةُ (قَوْلُهُ: فَاشْتَرَى بِهَا) أَيْ مَا أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِشِرَائِهِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْعِيَالُ، وَقَضِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ لَوْ صَرَفَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، وَقِيَاسُ مَا سَيَأْتِي مِنْ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي نَحْوِ ثِيَابِ بَدَنِهِ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَصِحُّ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: تَصَرُّفُهُ) أَيْ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَاشْتَرَى بِهَا قَالَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ جَزْمًا) لَعَلَّ الْمُرَادَ فَاشْتَرَى بِهَا النَّفَقَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute