للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خِلَافًا لِمَا فِي الْمَجْمُوعِ، إذْ الْمُعْتَمَدُ مَا فِيهَا كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْلِهِمْ فِي الصَّلَاةِ: الثَّالِثَ عَشَرَ تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ فَخَرَجَ السُّنَنُ فَيَحْسِبُ مِنْهَا مَا أَوْقَعَهُ أَوَّلًا فَكَأَنَّهُ تَرَكَ غَيْرَهُ فَلَا يُعْتَدُّ بِفِعْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ تَعَوَّذَ ثُمَّ أَتَى بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ.

وَفَائِدَةُ تَقْدِيمِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مَعْرِفَةُ أَوْصَافِ الْمَاءِ مِنْ طَعْمٍ وَرِيحٍ وَلَوْنٍ بِالنَّظَرِ هَلْ تَغَيَّرَ أَوْ لَا؟ وَقَدَّمَ الْفَمَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ الْأَنْفِ لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لِلْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ وَأَكْثَرُ مَنْفَعَةً (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فَصْلَهُمَا أَفْضَلُ) مِنْ جَمْعِهِمَا لِمَا رَوَاهُ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «دَخَلْت يَعْنِي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَيْته يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ» (ثُمَّ الْأَصَحُّ) عَلَى هَذَا الْأَفْضَلُ أَنَّهُ (يَتَمَضْمَضُ بِغَرْفَةٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِأُخْرَى ثَلَاثًا) فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى عُضْوٍ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ مَا قَبْلَهُ، وَقِيلَ يَتَمَضْمَضُ بِثَلَاثٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِثَلَاثٍ وَهُوَ أَضْعَفُهَا وَأَنْظَفُهَا (وَيُبَالِغُ فِيهِمَا غَيْرُ الصَّائِمِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» وَلِخَبَرِ «إذَا تَوَضَّأْت فَأَبْلِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مَا لَمْ تَكُنْ صَائِمًا» وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا أَنْ يَبْلُغَ الْمَاءُ إلَى أَقْصَى الْحَنَكِ وَوَجْهَيْ الْأَسْنَانِ وَاللَّثَاةِ، وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يَصْعَدَ الْمَاءُ بِالنَّفَسِ إلَى الْخَيْشُومِ، أَمَّا الصَّائِمُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

عَلَى مَحَلِّهِ وَفَاتَ مَا أَخَّرَهُ عَنْهُ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلِاعْتِدَادِ بِالْمُؤَخَّرِ، وَأَنَّهُ إذَا قَدَّمَهُ لَغَا وَأَعَادَهُ إذَا أَتَى بِمَاءٍ بَعْدَهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ فَعَلَهُمَا مَعًا، وَيَنْبَغِي عَلَى كَلَامِ حَجّ أَنَّ الْحَاصِلَ مِنْهُمَا الْمَضْمَضَةُ لِوُقُوعِهَا فِي مَحَلِّهَا دُونَ الِاسْتِنْشَاقِ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ أَرْبَعَةَ أَعْضَائِهِ مَعًا حُسِبَ الْوَجْهُ دُونَ غَيْرِهِ، لَا يُقَالُ: إنَّمَا لَمْ يَحْصُلْ غَيْرُ الْوَجْهِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ وَهُوَ هُنَا غَيْرُ وَاجِبٍ.

لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَكِنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لَا مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ فَأَشْبَهَ الْوَاجِبَ.

وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ مُؤَخَّرًا حُسِبَ مَا بَدَأَ بِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا يَحْصُلَانِ فِيمَا لَوْ أَتَى بِهِمَا مَعًا لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ لِحُسْبَانِ الْمُتَأَخِّرِ سَبْقُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَيُحْسَبُ مِنْهَا إلَخْ) فِي اسْتِفَادَتِهِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ مُجَرَّدَ عَدَمِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ السُّنَنِ لَا يَقْتَضِي حُسْبَانَ الْمُتَقَدِّمِ وَإِلْغَاءَ الْمُتَأَخِّرِ، بَلْ كَمَا يَصْدُقُ بِذَلِكَ يَصْدُقُ بِإِلْغَاءِ الْمُتَأَخِّرِ وَطَلَبِ فِعْلِهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَسْبِقْ فِعْلَ الْمُتَأَخِّرِ.

وَقِيَاسُ إلْغَاءِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى التَّعَوُّذِ أَجَابَ عَنْهُ حَجّ بِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ لَهُ الِافْتِتَاحُ يَفُوتُ بِتَقْدِيمِ التَّعَوُّذِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ أَنْ يَقَعَ الِافْتِتَاحُ بِهِ وَلَا يَتَقَدَّمُهُ غَيْرُهُ، وَبِالْبُدَاءَةِ بِالتَّعَوُّذِ فَاتَ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ.

وَالْقَصْدُ بِالتَّعَوُّذِ أَنْ تَلِيَهُ الْقِرَاءَةُ وَقَدْ وَجَدَ ذَلِكَ فَاعْتَدَّ بِهِ لِوُقُوعِهِ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: وَقَدَّمَ الْفَمَ) قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَالِاسْتِنْشَاقُ أَفْضَلُ، لِأَنَّ أَبَا ثَوْرٍ يَقُولُ: الْمَضْمَضَةُ سُنَّةٌ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَاجِبٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَقْوَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَحْمُولَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ، وَأَفْعَالَهُ عَلَى النَّدْبِ وَالْمَضْمَضَةُ نُقِلَتْ عَنْ فِعْلِهِ، وَالِاسْتِنْشَاقُ ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ: «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً» اهـ (قَوْلُهُ: وَأَكْثَرَ مَنْفَعَةً) لِأَنَّهُ مَحَلُّ قِوَامِ الْبَدَنِ أَكْلًا وَنَحْوَهُ وَالرُّوحِ ذِكْرًا وَنَحْوَهُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَتَمَضْمَضُ إلَخْ) وَيَنْبَغِي فِيمَا لَوْ تَعَدَّدَ الْفَمُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا قِيلَ فِي تَعَدُّدِ الْوَجْهِ مِنْ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا تَمَضْمَضَ فِيهِ إلَى آخِرِ مَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ) أَفَادَ التَّعْبِيرُ بِثُمَّ أَنَّهُ لَوْ تَمَضْمَضَ بِوَاحِدَةٍ ثُمَّ اسْتَنْشَقَ بِأُخْرَى، وَهَكَذَا لَا يَكُونُ آتِيًا بِالْأَفْضَلِ عَلَى هَذَا.

وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِالْفِعْلِ قَاسَ مَا هُنَا عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لَهُ لِعُضْوٍ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ طُهْرِ مَا قَبْلَهُ، وَلَكِنَّ عِبَارَةَ حَجّ حِكَايَةٌ لِهَذَا الْقَوْلِ نَصُّهَا: وَمُقَابِلُهُ أَيْ الْأَصَحُّ ثَلَاثٌ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: إذْ الْمُعْتَمَدُ مَا فِيهَا) أَيْ هُنَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِقَوْلِهِمْ فِي الصَّلَاةِ إلَخْ، وَإِلَّا فَإِذَا تَعَارَضَ مَا فِي الرَّوْضَةِ، وَالْمَجْمُوعِ قُدِّمَ مَا فِيهِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ مُتَتَبِّعٌ فِيهِ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا مُخْتَصِرٌ لِكَلَامِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَفَائِدَةُ تَقْدِيمِ الْمَضْمَضَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ، وَالْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ: يَعْنِي الْكَفَّيْنِ، وَالْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ عَلَى الْوُضُوءِ، أَنْ يَتَدَارَكَ أَوْصَافَ الْمَاءِ الثَّلَاثَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>