للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْفَقَ عَلَى وَلَدِ السَّفِيهِ إذَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ وَبِمَا يَقْتَضِيهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمُفْلِسِ، وَكَذَلِكَ الْمَمَالِيكُ لَوْ حَدَثُوا بَعْدَ الْحَجْرِ بِاخْتِيَارِهِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُمْ مِنْ مَصَالِحِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَبِيعُونَهُمْ وَيَقْتَسِمُونَ ثَمَنَهُمْ، وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً فِي ذِمَّتِهِ وَأَوْلَدَهَا وَقُلْنَا بِنُفُوذِ إيلَادِهِ فَالْأَوْجَهُ وُجُوبُ نَفَقَتِهَا وَفَارَقَتْ الزَّوْجَةَ بِقُدْرَتِهَا عَلَى الْفَسْخِ بِخِلَافِ هَذِهِ، وَلَا يُنْفِقُ عَلَى الْقَرِيبِ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ كَمَا أَنَّ وَلِيَّ الصَّبِيِّ لَا يُنْفِقُ عَلَى قَرِيبِهِ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ بَلْ هَذَا أَوْلَى لِمُزَاحَمَةِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ.

نَعَمْ ذَكَرُوا أَنَّ الْقَرِيبَ لَوْ كَانَ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ عَاجِزًا عَنْ الْإِرْسَالِ كَزَمِنٍ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِلَا طَلَبٍ حَيْثُ لَا وَلِيَّ لَهُ خَاصٌّ يَطْلُبُ لَهُ.

وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ الْقَرِيبُ هُنَا كَذَلِكَ وَيُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ كَالرُّويَانِيِّ أَنَّهُ يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُوسِرِينَ وَإِلَّا لَمَّا أَنْفَقَ عَلَى الْقَرِيبِ فَقَدْ رُدَّ بِأَنَّ الْيَسَارَ الْمُعْتَبَرَ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ غَيْرُ الْيَسَارِ الْمُعْتَبَرِ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَبِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، بِخِلَافِ الْقَرِيبِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ انْتِفَاءُ الثَّانِي.

وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: يُنْفِقُ يَمُونُ فَيَشْمَلُ الْكِسْوَةَ وَالْإِسْكَانَ وَالْإِخْدَامَ وَتَكْفِينَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْهِ وَشَمِلَ مَا ذَكَرَ الْوَاجِبَ فِي تَجْهِيزِهِ، وَكَذَا الْمَنْدُوبُ إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ الْغُرَمَاءُ (إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ) الْمُفْلِسُ (بِكَسْبٍ) حَلَالٍ لَائِقٍ بِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُزْرِيًا بِهِ فَلَا يُنْفِقُ وَيَكْسُو حِينَئِذٍ مِنْ مَالِهِ بَلْ مِنْ كَسْبِهِ إنْ رَأَى مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ رُدَّ إلَى الْمَالِ أَوْ نَقَصَ كُمِّلَ مِنْ الْمَالِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ كَسْبٍ لَائِقٍ وَلَوْ مَعَ تَعَسُّرِهِ أَنْفَقَ عَلَيْهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ، وَهُوَ أَنْسَبُ بِقَاعِدَةِ الْبَابِ مِمَّا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي مِنْ عَدَمِ الْإِنْفَاقِ؛ وَإِنْ اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ، وَمِنْ تَفْصِيلِ ابْنِ النَّقِيبِ بَيْنَ أَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الِامْتِنَاعُ ثَلَاثًا أَوْ لَا (وَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ) وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ (وَخَادِمُهُ) وَمَرْكُوبُهُ (فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ) أَوْ مَرْكُوبٍ (لِزَمَانَتِهِ وَمَنْصِبِهِ) ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَهَا بِالْكِرَاءِ أَسْهَلُ، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَضِيَّتُهُ لُزُومُ الْمَيَاسِيرِ أُجْرَةَ مَرْكُوبٍ وَخَادِمٍ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ؛ إذْ لَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا الضَّرُورِيُّ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهُ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْإِحْبَالُ (قَوْلُهُ: وَقُلْنَا بِنُفُوذِ إيلَادِهِ) عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ (قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ) أَيْ فَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ فَهَلْ يَضْمَنُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الضَّمَانِ، وَأَنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إنَّمَا أَخَذُوا حَقَّهُمْ

(قَوْلُهُ: لَا وَلِيَّ لَهُ خَاصٌّ) أَيْ: أَوْ لَهُ وَلِيٌّ وَلَمْ يَطْلُبْ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ) يُفِيدُ أَنَّهُمْ لَوْ سَكَتُوا بِحَيْثُ لَمْ يُؤْذَنُوا وَلَا مُنِعُوا أَنَّهُ يَفْعَلُ لِلْمَيِّتِ فَلْيُرَاجَعْ مِنْ الْجَنَائِزِ

(قَوْلُهُ: حَلَالٍ لَائِقٍ بِهِ) فِي التَّقْيِيدِ بِهِمَا نَظَرٌ مَعَ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ الْكَسْبِ لَا يُكَلَّفُهُ فَإِنَّ الْحَاصِلَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ اكْتَسَبَ بِالْفِعْلِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ امْتَنَعَ لَا يُكَلَّفُ الْكَسْبَ، وَقَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ إنْ اكْتَسَبَ غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ مَعَ حُصُولِ مَا اكْتَسَبَهُ فِي يَدِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، ثُمَّ رَأَيْت الْخَطِيبَ ذَكَر مَا يُصَرِّحُ بِهِ، وَعِبَارَتُهُ: وَلَوْ رَضِيَ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ مُبَاحٌ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَفَانَا مُؤْنَةً

(قَوْلُهُ: فَإِنْ امْتَنَعَ) أَيْ لَمْ يَكْتَسِبْ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ أَمْرٌ لَهُ بِالِاكْتِسَابِ (قَوْلُهُ: لِزَمَانَتِهِ) هِيَ كُلُّ دَاءٍ يُزْمِنُ الْإِنْسَانَ فَيَمْنَعُهُ عَنْ الْكَسْبِ كَالْعَمَى وَشَلَلِ الْيَدَيْنِ انْتَهَى شَيْخُنَا زِيَادِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ لَا يَتَيَسَّرَ لَهُ مِنْ كَسْبِهِ وَلَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ لُزُومُ الْمَيَاسِيرِ) مُعْتَمَدٌ

(قَوْلُهُ: أُجْرَةَ مَرْكُوبٍ وَخَادِمٍ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

بِالنَّسَبِ تَجْدِيدَهُ الزَّوْجِيَّةَ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ وَاجِبٌ بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ. (قَوْلُهُ: وَقُلْنَا بِنُفُوذِ إيلَادِهِ) أَيْ: وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ ذَكَرُوا أَنَّ الْقَرِيبَ لَوْ كَانَ طِفْلًا) أَيْ: فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى مَجْنُونًا أَوْ سَفِيهًا، إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ قَرِيبَ الطِّفْلِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ طِفْلًا، فَالصَّبِيُّ فِي قَوْلِهِ كَمَا أَنَّ وَلِيَّ الصَّبِيِّ إلَخْ مِثَالٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَيْ: الْكِرَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>