وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ أُبَّهَةَ الْمَنْصِبِ بِهِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ فَنُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ الْحَاجَةِ.
وَالثَّانِي يَبْقَيَانِ لِلْمُحْتَاجِ إذَا كَانَا لَائِقَيْنِ بِهِ دُونَ النَّفِيسَيْنِ وَهُوَ مُخْرَجُ نَصِّهِ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مَعَ كَوْنِهَا لَا بَدَلَ لَهَا، وَتُبَاعُ أَيْضًا الْبُسُطُ وَالْفُرُشُ وَيُتَسَامَحُ فِي حَصِيرٍ وَلُبَدٍ قَلِيلِ الْقِيمَةِ وَكِسَاءٍ خَلِيعٍ (وَيُتْرَكُ لَهُ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ) حَالَ فَلَسِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ إنْ كَانَ فِي مَالِهِ وَإِلَّا اشْتَرَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْكِسْوَةِ كَالْحَاجَةِ لِلنَّفَقَةِ، وَقَدْ أَطْلَقَ كَثِيرٌ أَنَّ كُلَّ مَا قِيلَ يُتْرَكُ لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ بِمَالِهِ اشْتَرَى لَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَشْتَرِي لَهُ حَتَّى الْكُتُبَ وَنَحْوَهَا مِمَّا ذُكِرَ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، وَمِنْ ثَمَّ بَحَثَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ شِرَاءِ ذَلِكَ لَهُ لَا سِيَّمَا عِنْدَ اسْتِغْنَائِهِ بِمَوْقُوفٍ وَنَحْوِهِ بَلْ لَوْ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِهِ بِيعَ مَا عِنْدَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ اخْتِيَارُ السُّبْكِيّ أَنَّهَا لَا تَبْقَى لَهُ، وَقَوْلُ الْقَاضِي لَا تَبْقَى لَهُ فِي الْحَجِّ فَهُنَا أَوْلَى يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ، وَيُبَاعُ الْمُصْحَفُ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ؛ لِأَنَّهُ تَسْهُلُ مُرَاجَعَةُ حَفَظَتِهِ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَحَلٍّ لَا حَافِظَ فِيهِ تُرِكَ لَهُ، فَلَوْ كَانَ يَلْبَسُ قَبْلَ الْإِفْلَاسِ فَوْقَ مَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ رُدَّ إلَى اللَّائِقِ أَوْ دُونَ اللَّائِقِ تَقْتِيرًا أَوْ زُهْدًا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ عَائِدٌ عَلَى لَفْظِ مَنْ الْمَذْكُورُ فِي النَّفَقَةِ وَحِينَئِذٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ نَفْسُهُ وَعِيَالُهُ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ (وَهُوَ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ) وَتِكَّةٌ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَمِنْدِيلٌ (وَعِمَامَةٌ) وَمَا تَحْتَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَبَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ، وَطَيْلَسَانٌ وَخُفٌّ وَدُرَّاعَةٌ فَوْقَ الْقَمِيصِ إنْ لَاقَتْ بِهِ لِئَلَّا يَحْصُلَ الِازْدِرَاءُ بِمَنْصِبِهِ، وَتُزَادُ الْمَرْأَةُ مِقْنَعَةً وَغَيْرَهَا مِمَّا يَلِيقُ بِهَا (وَمُكْعَبٌ) أَيْ مَدَاسٌ (وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةٌ) لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ وَيُتْرَكُ لِلْعَالِمِ كُتُبُهُ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ هُنَا عِنْدَ تَكَرُّرِ النَّسْخِ مَا يَأْتِي فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ، وَبَحَثَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ أَنَّهُ يُتْرَكُ لِلْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ خَيْلُهُ وَسِلَاحُهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِمَا، قَالَ: بِخِلَافِ الْمُتَطَوِّعِ بِالْجِهَادِ فَإِنَّ وَفَاءَ الدَّيْنِ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ وَلَا يَجِدَ غَيْرَهُمَا، وَتُبَاعُ آلَاتُ حِرْفَتِهِ إنْ كَانَ مُحْتَرِفًا، وَفِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُعْطِي بِضَاعَةً، قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَمَعْنَاهُ الْيَسِيرُ: أَيْ التَّافِهُ، أَمَّا الْكَثِيرُ فَلَا، وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يُتْرَكُ لَهُ رَأْسُ مَالٍ يَتَّجِرُ فِيهِ إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْكَسْبَ إلَّا بِهِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَظُنُّ أَنَّ مُرَادَهُ مَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ (وَيُتْرَكُ قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ) وَسُكْنَاهُ (لِمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ فِي أَوَّلِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَرْضًا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَكِسَاءٍ خَلِيعٍ) وَيَظْهَرُ أَنَّ آلَةَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ التَّافِهَةِ الْقِيمَةِ كَذَلِكَ اهـ حَجّ
(قَوْلُهُ: وَيُبَاعُ الْمُصْحَفُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ وُجِدَ وَقْفٌ يَسْتَغْنِي بِهِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَدُرَّاعَةٌ) اسْمٌ لِلْمَلُوطَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُلْبَسُ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَهِيَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: مِقْنَعَةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ كَمَا قَالَهُ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ
(قَوْلُهُ: وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةٌ) هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهَا تُزَادُ إذَا دَخَلَ الشِّتَاءُ أَوْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِيهِ مَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ، وَلَا وَقْفَ فِيهِ أَوْ تُزَادُ مُطْلَقًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعْطَاهَا، وَلَوْ فِي الصَّيْفِ أَوْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي الصَّيْفِ حَرِّرْهُ، وَقَدْ يُتَّجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ إذَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي الشِّتَاءِ أَوْ دَخَلَ الشِّتَاءُ زَمَنَ الْحَجْرِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَيُتْرَكُ لِلْعَالِمِ كُتُبُهُ) أَيْ مَا لَمْ يَسْتَغْنِ بِغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ
(قَوْلُهُ: وَتُبَاعُ آلَاتُ حِرْفَتِهِ) مُعْتَمَدٌ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ بِفَقْدِ الْأُجْرَةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ أُبَّهَةَ الْمَنْصِبِ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَنْصِبِ مَنْصِبُ الْحُكْمِ فَانْظُرْ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَتُبَاعُ أَيْضًا الْبُسُطُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ ذَا مَنْصِبٍ وَانْظُرْ هَلْ يَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي الْمَرْكُوبِ. (قَوْلُهُ: فَوْقَ مَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ) أَيْ: فِي حَالِ الْإِفْلَاسِ لِيُوَافِقَ مَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ. (قَوْلُهُ: وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ عَائِدٌ عَلَى لَفْظِ مِنْ إلَخْ) لَا يُوَافِقُ مَا سَلَكَهُ أَوَّلًا فِي حَلِّ الْمَتْنِ مِنْ إخْرَاجِ نَفْسِ الْمُفْلِسِ مِنْ مَدْلُولِ مِنْ وَلَا مَا أَعْقَبَ بِهِ الْمَتْنَ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ حَالَ فَلَسِهِ إلَخْ الصَّرِيحُ فِي أَنَّ الضَّمِيرَ لِخُصُوصِ الْمُفْلِسِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا لَعَلَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فِي الْمَتْنِ خَاصَّةً مِنْ دَسْتُ ثَوْبٍ وَمَا بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَمِنْ الْبَعِيدِ أَنْ يَتْرُكَ مِنْ مَالِهِ لِنَحْوِ قَرِيبِهِ نَحْوِ الْكُتُبِ، إذْ هُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مُوسِرًا لِقَرِيبِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَنَحْوُهُمَا. (قَوْلُهُ: الْمُتَطَوِّعِ بِالْجِهَادِ) يَعْنِي غَيْرَ الْمُرْتَزِقِ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute