وَلِأَنَّ حُقُوقَهُمْ لَمْ تَجِبْ فِيهِ أَصْلًا، وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ بِالْيَوْمِ لَيْلَتَهُ: أَيْ اللَّيْلَةَ الَّتِي بَعْدَهُ هَذَا إنْ كَانَ بَعْضُ مَالِهِ خَالِيًا عَنْ تَعَلُّقِ حَقٍّ لِمُعَيَّنٍ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ حَقٌّ لِمُعَيَّنٍ كَالْمَرْهُونِ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى عِيَالِهِ مِنْهُ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ أَوْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] أَمْرٌ بِإِنْظَارِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِاكْتِسَابِهِ، وَلِلْخَبَرِ الْمَارِّ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ «لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» نَعَمْ إنْ عَصَى بِسَبَبِهِ وَإِنْ صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ كَغَاصِبٍ وَمُتَعَمِّدِ جِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا أُمِرَ بِالْكَسْبِ وَلَوْ بِإِيجَارِ نَفْسِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَاعْتَمَدَهُ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبَةٌ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ عَلَى الرَّدِّ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِإِيجَابِهِمْ عَلَى الْكُسُوبِ كَسْبَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ، وَمِنْ الْعِلَّةِ يُعْرَفُ أَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ لَيْسَ لِإِيفَاءِ الدَّيْنِ بَلْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ لَكِنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِيهِ حِينَئِذٍ، وَلَا يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْ الْمُفْلِسِ بِانْقِضَاءِ الْقِسْمَةِ وَلَا بِاتِّفَاقِ الْغُرَمَاءِ عَلَى رَفْعِهِ، وَإِنَّمَا يَفُكُّهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِرَفْعِهِ كَحَجْرِ السَّفِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ
(وَالْأَصَحُّ) وُجُوبُ (إجَارَةِ) نَحْوِ (أُمِّ وَلَدِهِ وَالْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ) إنْ لَمْ يَشْرِطْ وَاقِفُهَا عَدَمَ إجَارَتِهَا، فَإِنْ شَرَطَهُ فَلَا، وَإِجَارَةُ أُمِّ الْوَلَدِ لَا تَخْتَصُّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: وَإِنْ صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ) أَيْ مَا غَصَبَهُ فَلَا يُشْكَلُ عَلَيْهِ مَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اسْتَدَانَ لِيَصْرِفَهُ فِي مَعْصِيَةٍ لَكِنْ صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ لَا يُكَلَّفُ الْكَسْبَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسْتَدِينَ تَصَرَّفَ فِيمَا مَلَكَهُ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ، وَيُحْتَمَلُ بَقَاءُ مَا هُنَا فِي ظَاهِرِهِ حَتَّى لَوْ اقْتَرَضَ لِيَصْرِفَ فِي مَعْصِيَةٍ فَصَرَفَ فِي مُبَاحٍ كُلِّفَ الْكَسْبَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الزَّكَاةِ بِأَنَّ سَبَبَ الْكَسْبِ هُنَا الْخُرُوجُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالرَّدِّ لِمَنْ اقْتَرَضَ مِنْهُ، وَأَنَّ سَبَبَ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ إعَانَتُهُ عَلَى تَوْفِيَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لَمْ يَعْصِ بِصَرْفِهِ.
[تَنْبِيهٌ] قِيلَ الْغُرَمَاءُ يَتَعَلَّقُونَ بِحَسَنَاتِ الْمُفْلِسِ مَا عَدَا الْإِيمَانَ كَمَا يُتْرَكُ لَهُ دَسْتُ ثَوْبٍ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا تَوْقِيفِيٌّ فَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ، وَقِيلَ مَا عَدَا الصَّوْمَ لِخَبَرِ «الصَّوْمُ لِي» وَيَرُدُّهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّهُمْ يَتَعَلَّقُونَ حَتَّى بِالصَّوْمِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: أُمِرَ بِالْكَسْبِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مُزْرِيًا، بَلْ مَتَى أَطَاقَهُ لَزِمَهُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ إذْ لَا نَظَرَ لِلْمُرُوآتِ فِي جَنْبِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَخَّرَ الْحَجَّ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ حَتَّى أَفْلَسَ أَنْ يَخْرُجَ مَاشِيًا إنْ قَدَرَ، فَإِنْ عَجَزَ اكْتَسَبَ مِنْ الْحَلَالِ قَدْرَ الزَّادِ، فَإِنْ عَجَزَ سَأَلَ لِيَصْرِفَ لَهُ مِنْ نَحْوِ زَكَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ مَا يَحُجُّ بِهِ فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ مَاتَ عَاصِيًا: أَيْ مَعَ أَنَّ السُّؤَالَ يُزْرِي بِهِ إذَا كَانَ مِنْ ذَوِي الْمُرُوآتِ (قَوْلُهُ: وَالْقَرِيبِ) إطْلَاقُ الْقَرِيبِ يَشْمَلُ الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ، وَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ لِنَفَقَةِ الْفَرْعِ فَإِنَّ الْأَصْلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاكْتِسَابُ لِفَرْعِهِ الْعَاجِزِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ (قَوْلُهُ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِرَفْعِهِ) مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ مَالٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ حَجّ: أَيْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى رَفْعِ قَاضٍ، وَقَدْ يُقَالُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَتَبَيَّنُ عَدَمُ صِحَّةِ الْحَجِّ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا
(قَوْلُهُ: نَحْوِ أُمِّ وَلَدِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ
[حاشية الرشيدي]
فَيَشْمَلُ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَأَتَّى الِاسْتِثْنَاءُ (قَوْلُهُ: وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْأَذْرَعِيُّ) الْأَذْرَعِيُّ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا دَفْعًا لِاسْتِبْعَادِ الْحُكْمِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ؛ إذْ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ، وَعِبَارَتُهُ: وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَقَدْ أَوْجَبُوا عَلَى الْكَسُوبِ كَسْبَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِإِيفَاءِ الدَّيْنِ) أَيْ: وَهُوَ حِينَئِذٍ غَيْرُ خَاصٍّ بِالْمُفْلِسِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَفُكُّهُ الْقَاضِي) ظَاهِرُهُ وَإِنْ حَصَلَ وَفَاءُ الدُّيُونِ أَوْ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا مَثَلًا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ احْتِمَالُ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ كَمَا عَلَّلُوا بِهِ عَدَمَ إفَادَةِ رِضَا الْغُرَمَاءِ فَلْيُرَاجَعْ
. (قَوْلُهُ: وَإِجَارَةُ أُمِّ الْوَلَدِ لَا تَخْتَصُّ إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ: وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute