للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحْبَسُ بِدَيْنِ وَلَدِهِ كَذَلِكَ وَإِنْ سَفَلَ وَلَوْ صَغِيرًا وَزَمِنًا؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَلَا يُعَاقَبُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ دَيْنِ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا، وَمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ مِنْ حَبْسِهِ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ عَنْ الْأَدَاءِ فَيَعْجِزُ الِابْنُ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ رُدَّ بِمَنْعِ الْعَجْزِ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى ثَبَتَ لِلْوَالِدِ مَالٌ أَخَذَهُ الْقَاضِي قَهْرًا وَصَرَفَهُ إلَى دَيْنِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْفَاهُ عِنَادًا كَانَ لَهُ حَبْسُهُ لِاسْتِكْشَافِ الْحَالِ، وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي، لَكِنَّ قَوْلَهُمْ وَلَا يُعَاقَبُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ يَأْبَاهُ، وَكَالْوَالِدِ الْمُكَاتَبُ فَلَا يُحْبَسُ بِالنُّجُومِ كَمَا يَأْتِي، وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ عَيْنُهُ وَتَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْحَبْسِ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ كَالْمُرْتَهِنِ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ مَقْصُودٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَبْسِ فَإِنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ إلَّا لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ الْقَاضِي يَسْتَوْثِقُ عَلَيْهِ مُدَّةَ الْعَمَلِ فَإِنْ خَافَ هَرَبَهُ فَعَلَ مَا يَرَاهُ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَوْ اسْتَعْدَى عَلَى مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ عَيْنُهُ وَكَانَ حُضُورُهُ لِلْحَاكِمِ يُعَطِّلُ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ لَمْ يَحْضُرْ وَإِنَّمَا أُحْضِرَتْ الْمَرْأَةُ وَحُبِسَتْ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً؛ لِأَنَّ لِلْإِجَارَةِ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ كَالْمُسْتَأْجَرِ إنْ أَوْصَى بِهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَإِلَّا فَكَالزَّوْجَةِ، وَمِثْلُ مَنْ ذُكِرَ الْمَرِيضُ وَالْمُخَدَّرَةُ وَابْنُ السَّبِيلِ فَلَا يُحْبَسُونَ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَفْتَى بِهِ، بَلْ يُوَكَّلُ بِهِمْ لِيَتَرَدَّدُوا، وَلَا الطِّفْلُ وَالْمَجْنُونُ وَلَا أَبُوهُ وَالْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ وَالْوَكِيلُ فِي دَيْنٍ لَمْ يَجِبْ بِمُعَامَلَتِهِمْ، وَلَا الْعَبْدُ الْجَانِي وَلَا سَيِّدُهُ.

وَعُلِمَ مِنْ الْحَبْسِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ وَقَضَاءُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِذَلِكَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُخَالِفَا مِمَّا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَحِكَايَةُ ابْنِ حَزْمٍ قَوْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ بِهِ غَرِيبَةٌ لَا تَعْوِيلَ عَلَيْهَا، وَيُخْرَجُ الْمَحْبُوسُ لِلدَّعْوَى عَلَيْهِ فَإِنْ حُبِسَ لِلثَّانِي أَيْضًا لَمْ يُخْرَجْ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا، وَأُجْرَةُ الْحَبْسِ وَالسَّجَّانِ عَلَى الْمَحْبُوسِ وَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ: أَيْ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَفِي بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ عَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحَبْسِ وَرَأَى الْحَاكِمُ ضَرْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ زَادَ مَجْمُوعُهُ عَلَى الْحَدِّ وَلَا يُعَزِّرُهُ ثَانِيًا حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَفِي تَقْيِيدِهِ إذَا كَانَ لَجُوجًا صَبُورًا عَلَى الْحَبْسِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا جَوَازُهُ إنْ اقْتَضَتْهُ مَصْلَحَةٌ، وَلَا يَأْثَمُ الْمَحْبُوسُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَلِلْقَاضِي مَنْعُ الْمَحْبُوسِ مِنْهُمَا إنْ اقْتَضَتْهُ مَصْلَحَةٌ، وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَمُحَادَثَةِ الْأَصْدِقَاءِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَمَّا مُعَانِدٌ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَتَعَيَّنَ عِقَابُهُ طَرِيقًا لِوُصُولِ الْمُسْتَحِقِّ لِحَقِّهِ فَيَجُوزُ عِقَابُهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَوْ يَمُوتَ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَشَرَحَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الصِّيَالِ

(قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ) سَبَقَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ عَنْ بَعْضِهِمْ مَا يُخَالِفُ هَذَا فِي دَيْنِ النَّفَقَةِ

(قَوْلُهُ: وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ عَيْنُهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَكَالْوَالِدِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَا أَبُوهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ لِئَلَّا يُضَيِّعَا

(قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ بِمُعَامَلَتِهِمْ) أَيْ فَإِنْ وَجَبَ بِمُعَامَلَتِهِمْ حُبِسُوا، وَالضَّمِيرُ فِيهِ لِلْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ وَالْوَكِيلِ

(قَوْلُهُ: وَأُجْرَةُ الْحَبْسِ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسِجْنًا لِأَدَاءِ حَقٍّ مَا نَصُّهُ: وَأُجْرَةُ السِّجْنِ عَلَى الْمَسْجُونِ؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَكَانِ الَّذِي شَغَلَهُ، وَأُجْرَةُ السَّجَّانِ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِمَا هُنَا.

أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَقَّ ثَمَّ ثَابِتٌ لِصَاحِبِهِ فَحَبْسُهُ لِمُجَرَّدِ غَرَضِهِ فَلَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ، وَالْحَبْسُ هُنَا لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي تَشْهَدُ بِإِعْسَارِهِ، وَيُطَوَّرُ مَا هُنَا بِمَا إذَا حُبِسَ لِإِثْبَاتِ الْإِعْسَارِ فَقَطْ وَمَا هُنَاكَ بِمَا لَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِالْفِعْلِ وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ وَحُبِسَ لَهُ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ) أَيْ فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَالْجَمَاعَةِ) أَيْ إنْ تَوَقَّفَ ظُهُورُ الشِّعَارِ عَلَى حُضُورِهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ) قَالَ حَجّ: وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَةَ إجَابَتُهُ إلَى الْحَبْسِ إلَّا إنْ كَانَ بَيْتًا لَائِقًا بِهَا لَوْ طَلَبَهَا لِلسُّكْنَى فِيهِ سِيَّمَا يَظْهَرُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: إنْ أَوْصَى بِهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً) ظَاهِرُهُ وَإِنْ طَالَتْ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: لِيَتَرَدَّدُوا) اُنْظُرْ مَا مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِي الْمُخَدَّرَةِ وَالْمَرِيضِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَأْثَمُ الْمَحْبُوسُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ) لَعَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ وَامْتَنَعَ عَنْهُ عِنَادًا

<<  <  ج: ص:  >  >>