للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَوْمِهِ وَثِيَابَ بَدَنِهِ.

وَاعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ بِأَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَالٍ غَائِبٍ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَهُوَ مُعْسِرٌ بِدَلِيلِ فَسْخِ الزَّوْجَةِ عَلَيْهِ وَإِعْطَائِهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَكَدَيْنٍ لَهُ مُؤَجَّلٍ أَوْ عَلَى مُعْسِرٍ وَجَاحِدٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَبِأَنَّ قُوتَ يَوْمِهِ قَدْ يَسْتَغْنِي عَنْهُ بِالْكَسْبِ وَثِيَابَ بَدَنِهِ قَدْ تَزِيدُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فَيَصِيرُ مُوسِرًا بِذَلِكَ.

قَالَ: فَالطَّرِيقُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ عَاجِزٌ الْعَجْزَ الشَّرْعِيَّ عَنْ وَفَاءِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ، أَوْ مُعْسِرٌ لَا مَالَ لَهُ يَجِبُ وَفَاءُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَإِنْ أُرِيدَ ثُبُوتُ الْإِعْسَارِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى خُصُوصِ دَيْنٍ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ الْإِعْسَارَ الَّذِي تَمْتَنِعُ مَعَهُ الْمُطَالَبَةُ بِشَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ اهـ.

وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الصِّيَغِ إنَّمَا يَتَأَتَّى إطْلَاقُهُ مِنْ عَالِمٍ بِهَذَا الْبَابِ وَافَقَ مَذْهَبَ الْحَاكِمِ فِيهِ وَأَتَى لَهُ بِشَاهِدَيْنِ يُخْبِرَانِ بِبَاطِنِهِ كَذَلِكَ، فَلَوْ نَظَرْنَا لِمَا ذَكَرَهُ لَتَعَذَّرَ أَوْ تَعَسَّرَ ثُبُوتُ إعْسَارِهِ وَفِيهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَا يَخْفَى فَكَانَ اللَّائِقُ بِالتَّخْفِيفِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ مَعَ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ، وَلَا نَظَرَ لِلْمُشَاحَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِعْسَارُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ أَوْ كَانَ مَعَهُ ثِيَابٌ غَيْرُ لَائِقَةٍ بِهِ لَمْ يَخَفْ عَلَى دَائِنِهِ غَالِبًا، فَكَانَ سُكُوتُهُ عَنْ ذَلِكَ قَرِينَةً عَلَى عَدَمِ وُجُودِهِمَا مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ بِذَلِكَ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ غَالِبًا فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَالْحَبْسِ عَلَيْهَا.

قَالَ الْجَوْجَرِيُّ: وَلَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ بِالْغِنَى مِنْ بَيَانِ سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْدَامَ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَكَذَلِكَ الْغِنَى، قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا إعْسَارٍ وَمَلَاءَةٍ فَسَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُمَحَّضُ النَّفْيُ مَا لَوْ مَحَّضَهُ، لَكِنْ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لِلْجِيلِيِّ أَنَّهُ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ اهـ.

وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الشَّاهِدِ بِحَضْرَةِ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ يَقُولُ: لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ، وَلَا يُمَحَّضُ النَّفْيُ بِأَنْ يَقُولَ: لَا وَارِثَ لَهُ فَلَوْ مَحَّضَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَلْيَكُنْ مِثْلَهُ (وَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ) عِنْدَ الْحَاكِمِ (لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ بَلْ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] الْآيَةَ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْمَدْيُونَ يُحْبَسُ إلَى ثُبُوتِ إعْسَارِهِ وَإِنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ لِخَبَرِ «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» أَيْ مَطْلُ الْقَادِرِ يُحِلُّ ذَمَّهُ بِنَحْوِ يَا ظَالِمُ يَا مُمَاطِلُ وَتَعْزِيرَهُ وَحَبْسَهُ.

أَمَّا الْوَالِدُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَإِنْ عَلَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ فَلَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ الْإِعْسَارِ (قَوْلُهُ: بِالْغِنَى) بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ وَالْيَسَارِ

(قَوْلُهُ: يَعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرَةِ مِنْهُمَا) أَيْ وَهِيَ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلَا تَكَادُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ تَخْلُو عَنْ رِيبَةٍ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ بِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا صَادِقًا بِبَيِّنَةِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ، وَإِنْ عُرِفَ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ

(قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَقُولُ لَا أَعْلَمُ) الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ أَنْ لَا وَارِثَ لَهُ إلَخْ، وَلَعَلَّ أَصْلَ الْعِبَارَةِ هَكَذَا وَلَا يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَعِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ كَلَامٍ لَكِنْ فِي الشَّاهِدِ بِأَنْ لَا وَارِثَ لَهُ آخَرُ لَا أَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا آخَرَ إلَخْ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِيمَا تَرَجَّيْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ) أَيْ فَيَسْتَفْسِرُ عَنْ مَعْنَى النَّفْيِ الَّذِي ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ وَتَعْزِيرُهُ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَالِ غَائِبٍ إلَخْ) هَذَا إيرَادٌ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ الشَّهَادَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ أَنَّ مَنْ يَمْلِكُ غَيْرَ قُوتِ يَوْمِهِ وَثِيَابَ بَدَنِهِ مُوسِرٌ، وَقَوْلُهُ: وَبِأَنَّ قُوتَ يَوْمِهِ إلَخْ إيرَادٌ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ مِنْ أَنَّ قُوتَ يَوْمِهِ وَثِيَابَ بَدَنِهِ لَا يُخْرِجَانِهِ عَنْ الْإِعْسَارِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُعْسِرٌ أَيْضًا) أَيْ: الْمُدَّعِي إعْسَارَهُ (قَوْلُهُ: فَيَصِيرُ مُوسِرًا بِذَلِكَ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِمَا يَصِيرُ بِهِ مُوسِرًا. (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ: عَالِمَيْنِ بِهَذَا الْبَابِ وَافَقَا مَذْهَبَ الْحَاكِمِ: أَيْ لِعِزَّةِ مَنْ يُخْبِرُ بَاطِنَهُ بِجِوَارٍ أَوْ نَحْوِهِ وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ كَذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ يُخْبِرَانِ بَاطِنَهُ لَكَانَ أَوْضَحَ. (قَوْلُهُ: وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ لَفْظِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَقُولُ لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ) صَوَابُهُ لَا أَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا آخَرَ كَمَا فِي التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْوَلَدُ إلَخْ) لَمْ يُقَدِّمْ مَا يَكُونُ هَذَا مَفْهُومًا لَهُ حَتَّى يَسُوغَ التَّعْبِيرُ بِأَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>