للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّمَنِ لَمْ يُقْبَضْ يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارِهِ فِي الْخَبَرِ، وَفِي حُكْمِ الْحَجْرِ بِالْفَلَسِ الْمَوْتُ مُفْلِسًا فَفِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ» وَمُرَادُهُ بِلَمْ يُقْبَضْ عَدَمُ قَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ، فَإِنْ قَبَضَ بَعْضَهُ فَسَيَذْكُرُهُ بَعْدُ وَكَمَا لَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ لَهُ اسْتِرْدَادُ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لِلْغُرَمَاءِ كَمَا يَرْجِعُ الْأَصْلُ فِي بَعْضِ مَا وَهَبَهُ لِفَرْعِهِ، بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْبَائِعِ، وَلَوْ أَفْلَسَ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِلسَّفَهِ فَلَا رُجُوعَ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ، وَأَفْهَمَ أَيْضًا امْتِنَاعَ الْفَسْخِ بِالْبَيْعِ الْوَاقِعِ فِي حَالِ الْحَجْرِ مَا لَمْ يَكُنْ جَاهِلًا بِحَالِهِ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ يَجِبُ الْفَسْخُ بِأَنْ يَقَعَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ التَّصَرُّفُ بِالْغِبْطَةِ وَهِيَ فِي الْفَسْخِ كَمُكَاتَبٍ وَوَلِيٍّ، وَمِثْلُهُمَا الْبَائِعُ إذَا أَفْلَسَ وَحُجِرَ عَلَيْهِ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ مِنْهُ الرُّجُوعَ عَلَى مَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاكْتِسَابُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ خِيَارَهُ) أَيْ الْفَسْخِ أَوْ الْبَائِعِ (عَلَى الْفَوْرِ) كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِجَامِعِ

دَفْعِ الضَّرَرِ

، وَالثَّانِي لَا كَخِيَارِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِحُصُولِ الضَّرَرِ هُنَا بِخِلَافِ ذَاكَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ ادَّعَى جَهْلَهُ بِالْفَوْرِيَّةِ قُبِلَ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَلْ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَخْفَى عَلَى غَالِبِ النَّاسِ بِخِلَافِ ذَاكَ، وَمَرَّ الْكَلَامُ عَلَى الرُّجُوعِ فِي الْقَرْضِ، وَأَنَّهُ لَا فَوْرَ فِيهِ، وَلَوْ صُولِحَ عَنْ الْفَسْخِ عَلَى مَالٍ لَمْ يَصِحَّ وَبَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الْفَسْخِ إنْ عَلِمَ لَا إنْ جَهِلَ، وَلَوْ حَكَمَ بِمَنْعِ الْفَسْخِ حَاكِمٌ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ، وَالْخِلَافُ فِيهَا قَوِيٌّ؛ إذْ النَّصُّ كَمَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِثَمَنِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَظْهَرَ فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ لَا يَحْتَاجُ فِي الْفَسْخِ إلَى حَاكِمٍ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ وَالْأَصَحُّ (أَنَّهُ) أَيْ الْفَسْخَ لَا يَحْصُلُ (بِالْوَطْءِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْبَيْعِ) وَتَلْغُو هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ لِمُصَادِفَتِهَا مِلْكَ الْغَيْرِ كَمَا لَا تَكُونُ فَسْخًا فِي الْهِبَةِ لِلْفَرْعِ، وَالثَّانِي

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ (قَوْلُهُ: يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارِهِ) أَيْ لِيَصِحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ (قَوْلُهُ: فِي الْخَبَرِ) أَيْ الْمَذْكُورِ

(قَوْلُهُ: أَوْ مَاتَ) أَيْ مُفْلِسًا

(قَوْلُهُ: اسْتِرْدَادُ بَعْضِهِ) أَيْ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى نَقْصِ الْبَاقِي

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَضُرُّ) أَيْ وَهُنَا لَا يَضُرُّ بِالْمُفْلِسِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ مَبِيعٌ كُلُّهُ

(قَوْلُهُ: فِي حَالِ الْحَجْرِ) أَيْ بَعْدَهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ، وَهُوَ وَاضِحٌ فِيمَنْ يَتَصَرَّفُ عَنْ نَفْسِهِ، أَمَّا الْوَلِيُّ وَنَحْوُهُ فَيَنْبَغِي بُطْلَانُ تَصَرُّفِهِ مَعَ الْمُفْلِسِ بَعْدَ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْمَصْلَحَةِ وَهِيَ مَشْرُوطَةٌ فِي جَوَازِ تَصَرُّفِهِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْحَجْرِ أَوْ جَهِلَ

(قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي الْفَسْخِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي عَدَمِ الْفَسْخِ لَا يَجِبُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ بَلْ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَا يَجِبُ لَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ (قَوْلُهُ: كَمُكَاتَبٍ) أَيْ بِأَنْ بَاعَ لِغَيْرِهِ شَيْئًا ثُمَّ حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ الْفَسْخُ رِعَايَةً لِحَقِّ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ (قَوْلُهُ وَوَلِيٍّ) أَيْ وَوَكِيلٍ عَنْ غَيْرِهِ.

قَالَ سم عَلَى حَجّ: قَدْ يُشْكَلُ تَصَوُّرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: تَصَوُّرُ الْمَسْأَلَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِ الْمَبِيعِ؛ إذْ يُمْكِنُ قَبْلَ قَبْضِهِ لُزُومُ الْبَيْعِ وَالْحَجْرِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِفَلَسٍ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ الْفَسْخُ عَلَى الْوَلِيِّ ثُمَّ التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ لِلْمَوْلَى، وَلَوْلَا الْفَسْخُ لَمَا تَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ اهـ أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُصَوَّرَ أَيْضًا بِمَا إذَا بَاعَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ جُنُونٍ، وَقَدْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْبَائِعِ الْفَسْخُ

(قَوْلُهُ: عَلَى الْفَوْرِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ هُنَا كُلُّ مَا قِيلَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ مِنْ عَدَمِ تَكْلِيفِهِ الْعُدُولَ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِالْفَوْرِيَّةِ) وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِالْخِيَارِ بِالْأَوْلَى

(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَا فَوْرَ فِيهِ) أَيْ فَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ عَلَى الْفَوْرِ، فَمَتَى لَمْ يَخْرُجْ الْمَالُ عَنْ مِلْكِ الْمُقْتَرِضِ جَازَ لِلْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ، وَإِنْ تَرَاخَى (قَوْلُهُ لَا إنْ جَهِلَ) أَيْ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ مِمَّا يَخْفَى

ــ

[حاشية الرشيدي]

رِوَايَةٍ لَهُمَا «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَقَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» .

(قَوْلُهُ: وَمَرَّ الْكَلَامُ عَلَى الرُّجُوعِ فِي الْقَرْضِ) أَيْ: الْجَارِي بِعُمُومِهِ فِي الْمُفْلِسِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ) أَيْ: لَا بِالْقِيَاسِ، فَالنَّصُّ لَهُ إطْلَاقَانِ: مَا قَابَلَ الْقِيَاسَ وَالْإِجْمَاعَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَاءٌ كَانَ نَصًّا فِي الْمُرَادِ أَمْ ظَاهِرًا مَثَلًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>