لَمْ تَحْصُلْ فَضِيلَةُ التَّثْلِيثِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ وَالْفُورَانِيِّ.
وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِأَنَّ الْوَجْهَ وَالْيَدَ مُتَبَاعِدَانِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْرُغَ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ يَنْتَقِلَ إلَى الْآخَرِ.
وَأَمَّا الْفَمُ وَالْأَنْفُ فَكَعُضْوٍ وَاحِدٍ (وَيَأْخُذُ الشَّاكُّ بِالْيَقِينِ) وُجُوبًا فِي الْوَاجِبِ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبِ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الرَّابِعَةَ بِدْعَةٌ، وَتَرْكُ سُنَّةٍ أَسْهَلُ مِنْ ارْتِكَابِ بِدْعَةٍ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إنْ تَحَقَّقَ كَوْنُهَا رَابِعَةً
(وَ) مِنْ سُنَنِهِ (مَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ) لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا وَرَدَ فِي صِفَةِ وُضُوئِهِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ.
وَكَيْفِيَّةُ السُّنَّةِ: أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَيُلْصِقَ سَبَّابَتَهُ بِالْأُخْرَى وَإِبْهَامَيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ ثُمَّ يَذْهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرُدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي ذَهَبَ مِنْهُ إنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ يَتَقَلَّبُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ ذَهَابُهُ وَعَوْدُهُ مَسْحَةً وَاحِدَةً لِعَدَمِ تَمَامِهَا بِالذَّهَابِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَعْرٌ يَتَقَلَّبُ لِصِغَرِهِ أَوْ قِصَرِهِ أَوْ عَدَمِهِ لَمْ يَرُدَّ، إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ، فَإِنْ رَدَّ لَمْ تُحْسَبْ ثَانِيَةً لِأَنَّ الْمَاءَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، وَلَا يُنَافِيهِ مَا لَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَاوِيًا رَفْعَ حَدَثِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ حَالَ انْغِمَاسِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْفَعَ.
الْحَدَثَ الْمُتَجَدِّدَ بِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِأَنَّ مَاءَ الْمَسْحِ تَافِهٌ لَا قُوَّةَ لَهُ كَقُوَّةِ هَذَا، وَلِهَذَا لَوْ أَعَادَ مَاءَ غَسْلِ الذِّرَاعِ مَثَلًا ثَانِيًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَوْ غَسَلَ الْوَجْهَ مَرَّةً ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا حَصَلَتْ فَضِيلَةُ التَّثْلِيثِ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ الْآتِي بِأَنَّ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ مُتَبَاعِدَانِ خِلَافُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ. [فَرْعٌ] لَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ هَلْ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ؟ فِيهِ نَظَرٌ.
قَالَ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ: لَا يَنْعَقِدُ اهـ.
قُلْت: فَإِنْ أَرَادَ بِعَدَمِ انْعِقَادِهِ إلْغَاءَهُ بِحَيْثُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدَةٍ فَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْمَكْرُوهُ إنَّمَا هُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الثِّنْتَيْنِ، وَإِنْ أَرَادَ بِعَدَمِ انْعِقَادِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا فَظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لَمْ تَحْصُلْ إلَخْ) هَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ غَطَسَ وَنَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَيَكُونُ الرَّاجِحُ فِيهِ عَدَمَ حُصُولِ الْفَضِيلَةِ أَوَّلًا.
وَيُفَرَّقُ بَيْنَ التَّرْتِيبِ الْحَقِيقِيِّ وَغَيْرِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ فِي التَّرْتِيبِ الْحَقِيقِيِّ تَبَاعُدًا لِغَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ عَنْ بَعْضٍ يَظْهَرُ فِي الْحِسِّ وَلَا كَذَلِكَ التَّقْدِيرِيُّ (قَوْلُهُ: التَّثْلِيثِ) وَحُكْمُ هَذِهِ الْإِعَادَةِ الْكَرَاهَةُ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ، وَكَانَ عَدَمُ حُرْمَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّهَارَةِ وَتَتِمَّةٌ لَهَا فِي الْجُمْلَةِ، فَلَا يُقَالُ إنَّهُ عِبَادَةٌ فَاسِدَةٌ فَتُحَرَّمُ اهـ سم عَلَى حَجّ زَادَ سم عَلَى مَنْهَجٍ بَعْدَ مِثْلِ مَا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ مَعَ أَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ وَقَبْلَ صَلَاةٍ لِأَنَّهُ قِيلَ بِحُصُولِ التَّثْلِيثِ بِهِ وَذَلِكَ شُبْهَةٌ دَافِعَةٌ لِلتَّحْرِيمِ م ر.
أَقُولُ: لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ التَّجْدِيدَ قَبْلَ فِعْلِ صَلَاةٍ مَكْرُوهٌ فَقَطْ كَمَا تَقَرَّرَ (قَوْلُهُ: فَكَعُضْوٍ وَاحِدٍ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ الْيَدَ الْيُمْنَى مَرَّةً ثُمَّ الْيُسْرَى كَذَلِكَ وَأَعَادَ ذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حُسِبَ التَّثْلِيثُ لِأَنَّهُمَا عُضْوٌ وَاحِدٌ كَالْفَمِ وَالْأَنْفِ، لَكِنْ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ مَا نَصُّهُ: وَهَلْ تَحْصُلُ سُنَّةُ التَّيَمُّنِ بِاكْتِحَالِهِ فِي الْيُمْنَى مَرَّةً ثُمَّ فِي الْيُسْرَى مَرَّةً ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا أَوْ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَقْدِيمِ الْمَرَّاتِ الثَّلَاثِ فِي الْأُولَى؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي قِيَاسًا عَلَى الْعُضْوَيْنِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ كَالْيَدَيْنِ.
وَيُحْتَمَلُ حُصُولُهَا بِالْأُولَى كَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ عَلَى بَعْضِ الصُّوَرِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى حَجّ مَا نَصُّهُ: وَفِي قَوْلِهِ: يَعْنِي شَرْحَ الرَّوْضِ كَالْيَدَيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَثْلِيثَ الْيَدَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَثْلِيثِ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى بَلْ لَوْ ثَلَّثَهُمَا مَعًا: أَيْ أَوْ مُرَتَّبًا أَجْزَأَ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ.
وَهَذَا هُوَ الْمُتَّجَهُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ تَرْتِيبٌ (قَوْلُهُ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبِ) وَلَوْ فِي الْمَاءِ الْمَوْقُوفِ.
نَعَمْ يَكْفِي ظَنُّ اسْتِيعَابَ الْعُضْوِ بِالْغَسْلِ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْهُ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ اهـ حَجّ، وَعَلَيْهِ فَيُسْتَثْنَى هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ الْمُرَادُ بِالشَّكِّ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ
(قَوْلُهُ: مَسْحَةً وَاحِدَةً) وَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ الْمَسْحُ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي الثَّلَاثِ حَتَّى يَحْصُلَ التَّثْلِيثُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَاءَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا) قَالَ حَجّ: أَيْ لِاخْتِلَاطِ بَلَلِهِ بِبَلَلِ يَدِهِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ حُكْمًا بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ، وَلِضَعْفِ الْبَلَلِ أَثَّرَ فِيهِ أَدْنَى اخْتِلَاطٍ فَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ التَّقْدِيرِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .