مُطْلَقًا، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَعَلَّ كَلَامَ الْقَاضِي مَحْمُولٌ عَلَى نَائِمٍ أَحْوَجَ طُولُ نَوْمِهِ إلَى النَّظَرِ فِي أَمْرِهِ وَكَانَ الْإِيقَاظُ يَضُرُّهُ مَثَلًا، وَبِأَنَّ الْأَخْرَسَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسَمَّى مَجْنُونًا فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْمَجْنُونِ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَخْ مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ غَيْرَ عَاقِلٍ كَمَا قَالَهُ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّ الْمَجْنُونِ، وَلِهَذَا تَرَدَّدَ الْإِسْنَوِيُّ فِيمَنْ يَكُونُ وَلِيَّهُ، وَبَحَثَ الْجَوْجَرِيُّ أَنَّ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ فِيمَنْ عَرَضَ لَهُ هَذَا الْخَرَسُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ إلَّا كَذَلِكَ فَالظَّاهِرُ الْجَزْمُ بِأَنَّ وَلِيَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةً لِحَجْرِ الصَّبِيِّ؛ إذْ لَا يَرْتَفِعُ الْحَجْرُ عَنْهُ إلَّا بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.
وَقَوْلُهُ الظَّاهِرُ إلَخْ مُحْتَمَلٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ التَّرَدُّدِ أَنَّ وَلِيَّهُ وَلِيُّ الْمَجْنُونِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي، وَصَرِيحُ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ غَيْرُ عَاقِلٍ، وَالْمَجْنُونُ إذَا كَانَ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِيمَا يَأْتِي نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ وَاعْتَرَضَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ إنْ زَالَ عَقْلُهُ فَمَجْنُونٌ وَإِلَّا فَهُوَ مُكَلَّفٌ وَتَصَرُّفُهُ صَحِيحٌ فَإِنْ بَذَّرَ فَكَسَفِيهٍ اهـ.
وَيُرَدُّ بِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ كَمَالُ التَّمْيِيزِ، أَمَّا أَدْنَاهُ فَلَا يَلْحَقُهُ بِالْمُكَلَّفِ وَلَا بِالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لَهُمَا فَتَعَيَّنَ إلْحَاقُهُ بِالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ
(وَيَرْتَفِعُ) حَجْرُ الْجُنُونِ (بِالْإِفَاقَةِ) مِنْهُ مِنْ غَيْرِ فَكٍّ وَلَا اقْتِرَانٍ بِشَيْءٍ آخَرَ كَإِينَاسِ رُشْدٍ.
وَقَضِيَّتُهُ عَوْدُ الْوِلَايَاتِ وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ.
نَعَمْ الْوِلَايَةُ الْجَعْلِيَّةُ كَالْقَضَاءِ لَا تَعُودُ إلَّا بِوِلَايَةٍ جَدِيدَةٍ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ عَوْدُ الْأَهْلِيَّةِ (وَحَجْرُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مُعْتَمَدٌ
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) طَالَ نَوْمُهُ أَوْ قَصُرَ (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ التَّرَدُّدِ) هُوَ مِنْ كَلَامِ م ر، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَنْ خَرَسُهُ أَصْلِيٌّ، وَإِلَّا فَهُوَ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْجَرِيِّ فَإِنَّ الظَّاهِرَ إلَخْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّائِمَ لَا وَلِيَّ لَهُ مُطْلَقًا، وَأَنَّ الْأَخْرَسَ الَّذِي لَا إشَارَةَ لَهُ وَلِيُّهُ وَلِيُّ الْمَجْنُونِ (قَوْلُهُ: مِنْ التَّرَدُّدِ) أَيْ تَرَدُّدِ الْإِسْنَوِيِّ الْمُتَقَدِّمِ
(قَوْلُهُ: أَنَّ وَلِيَّهُ) أَيْ الْأَخْرَسِ سَوَاءٌ كَانَ خَرَسُهُ أَصْلِيًّا أَوْ طَارِئًا
(قَوْلُهُ: وَلِيُّ الْمَجْنُونِ) أَيْ فَوَلِيُّهُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْوَصِيُّ ثُمَّ الْقَاضِي، وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ عَلَيْهِ لِمَنْ ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ لَهُ كِتَابَةٌ أَوْ أَمْكَنَ تَوْكِيلُهُ بِالْإِشَارَةِ.
وَقَالَ فِي الْخَرْسَاءِ: إنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ وَلَا كِتَابَةٌ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا كَالْمَجْنُونَةِ فَيُزَوِّجُهَا الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْحَاكِمُ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ يُشْكَلُ عَلَيْهِمَا مَا ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي فَصْلٍ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ إلَخْ مِنْ قَوْلِهِ وَيَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْأَخْرَسِ وَإِشَارَتُهُ الَّتِي لَا يَخْتَصُّ بِفَهْمِهَا الْفَطِنُ وَكَذَا بِكِتَابَتِهِ عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ وَتَعَذَّرَ تَوْكِيلُهُ لِاضْطِرَارِهِ حِينَئِذٍ اهـ.
فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَاكَ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ لِلْفَطِنِ، وَمَا هُنَا فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ إشَارَةٌ أَصْلًا، أَوْ يُفْرَضُ بِأَنَّ ذَاكَ فِي الْخَرَسِ الْعَارِضِ بَعْدَ الرُّشْدِ وَمَا هُنَا فِي اسْتِمْرَارِ خَرَسٍ مَوْجُودٍ فِي الصِّبَا
(قَوْلُهُ: وَالْمَجْنُونُ) أَيْ وَلَوْ بَالِغًا (قَوْلُهُ: كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ) أَيْ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ شَرْحُ رَوْضٍ (قَوْلُهُ: فِيمَا يَأْتِي) مِنْهُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَعَدَمُ الْمُعَاقَبَةِ عَلَى تَرْكِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالصَّبِيِّ، لَكِنَّ مُقْتَضَى قَوْلِ شَرْحِ الرَّوْضِ: أَيْ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ أَنَّهُ فِيمَا عَدَا الْمَالَ، كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ فَيُفِيدُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعِقَابَهُ عَلَى تَرْكِهَا وَأَنَّهُ يُقْتَلُ إذَا قُتِلَ بِشَرْطِهِ وَيُحَدُّ إذَا زَنَى أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ.
وَفِي سم عَلَى حَجّ مَا يُوَافِقُ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَعِبَارَتُهُ: قَوْلُهُ كَصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ مَا يَصِحُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ كَالصَّلَاةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ وُجِدَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْيِيزِ الَّذِي ضَبَطُوهُ وَهُوَ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ فِي الْجَمِيعِ لَكِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُتَّجَهُ إلَّا كَوْنُهُ مُكَلَّفًا، وَلَا يُتَّجَهُ حَمْلُ مَا نَقَلَاهُ عَنْ التَّتِمَّةِ عَلَيْهِ اهـ.
وَصَرِيحُ قَوْلِ الشَّارِحِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَرُدَّ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ كَمَالُ التَّمْيِيزِ قَصْرُ التَّشْبِيهِ عَلَى صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ فَقَطْ دُونَ بَقِيَّةِ التَّكَالِيفِ
(قَوْلُهُ: كَمَالُ التَّمْيِيزِ) أَيْ الَّذِي ضَبَطَ بِهِ سم عَلَى حَجّ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ إلَخْ
(قَوْلُهُ: بِالْإِفَاقَةِ) أَيْ الصَّافِيَةِ عَنْ الْخَبَلِ الْمُؤَدِّي إلَى حَالَةٍ يُحْمَلُ مِثْلُهَا عَلَى حِدَّةٍ فِي الْخُلُقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّكَاحِ
(قَوْلُهُ: نَعَمْ الْوِلَايَةُ الْجَعْلِيَّةُ كَالْقَضَاءِ) أَيْ وَالْإِمَامَةِ وَالْخَطَابَةِ وَنَحْوِهَا،
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ الْأَخْرَسَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ إلَخْ) حَقُّ الْعِبَارَةِ وَبِأَنَّ الْأَخْرَسَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ لَا يُسَمَّى مَجْنُونًا وَإِنْ أُلْحِقَ بِالْمَجْنُونِ