للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصِّبَا) بِكَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِ الْبَاءِ فَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (يَرْتَفِعُ) مِنْ حَيْثُ الصِّبَا بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ وَمُطْلَقًا (بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: ٦] الْآيَةَ، وَالِابْتِلَاءُ الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ، وَالرُّشْدُ ضِدُّ الْغَيِّ كَمَا مَرَّ وَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» وَالْمُرَادُ مِنْ إينَاسِ الرُّشْدِ الْعِلْمُ بِهِ، وَأَصْلُ الْإِينَاسِ الْإِبْصَارُ، وَتَعْبِيرُهُ بِرَشِيدًا كَجَمَاعَةٍ لَا يُنَافِي مَنْ عَبَّرَ بِالْبُلُوغِ، إذْ مَنْ زَادَ عَلَى الْبُلُوغِ الرُّشْدَ أَرَادَ الْإِطْلَاقَ الْكُلِّيَّ، وَمَنْ لَمْ يَزِدْهُ أَرَادَ حَجْرَ الصِّبَا.

قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصِّبَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْحَجْرِ، وَكَذَا التَّبْذِيرُ، وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ، وَمَنْ بَلَغَ مُبَذِّرًا فَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ لَا حُكْمُ تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ اهـ.

وَلَوْ ادَّعَى الرُّشْدَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَأَنْكَرَهُ وَلِيُّهُ لَمْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ، وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ كَالْقَاضِي وَالْقَيِّمِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا أَمِينٌ ادَّعَى انْعِزَالَهُ، وَلِأَنَّ الرُّشْدَ مِمَّا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالِاخْتِبَارِ فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ: وَلِأَنَّ الْأَصْلَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ يُعَضِّدُ قَوْلَهُ بَلْ الظَّاهِرُ أَيْضًا؛ إذْ الظَّاهِرُ فِيمَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْبُلُوغِ عَدَمُ الرُّشْدِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَوَامِ الْحَجْرِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرُشْدِهِ.

نَعَمْ سُئِلَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَلْ الْأَصْلُ فِي النَّاسِ الرُّشْدُ أَوْ ضِدُّهُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ عُلِمَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ: أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِ اسْتِصْحَابُهُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ رُشْدُهُ بِالِاخْتِبَارِ وَأَمَّا مَنْ جُهِلَ حَالُهُ فَعُقُودُهُ صَحِيحَةٌ كَمَنْ عُلِمَ رُشْدُهُ

(وَالْبُلُوغُ) يَحْصُلُ (بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) قَمَرِيَّةً تَحْدِيدِيَّةً حَتَّى لَوْ نَقَصَتْ يَوْمًا لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ، وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ انْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْت، وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْت» وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ «وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً» : أَيْ طَعَنْت فِيهَا، وَبِقَوْلِهِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَيْ اسْتَكْمَلْتهَا؛ لِأَنَّ غَزْوَةَ أُحُدٍ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

نَعَمْ يُسْتَثْنَى النَّاظِرُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَالْحَاضِنَةِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ فَتَعُودُ إلَيْهِمْ الْوِلَايَةُ بِنَفْسِ الْإِفَاقَةِ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ وَأُلْحِقَ بِهِمْ الْأُمُّ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً

(قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الصَّادِ) أَيْ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَكَسْرُ الْبَاءِ.

قَالَ حَجّ رَدًّا عَلَى الْإِسْنَوِيِّ: أَنَّهُ لَا بُعْدَ فِيهِ

(قَوْلُهُ: وَالِامْتِحَانُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ

(قَوْلُهُ: الْعِلْمُ بِهِ) أَيْ لَا تَوَهُّمُهُ (قَوْلُهُ: وَأَصْلُ الْإِينَاسِ) أَيْ اللُّغَوِيُّ

(قَوْلُهُ: مَنْ عَبَّرَ بِالْبُلُوغِ) أَيْ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ

(قَوْلُهُ: وَهَذَا أَوْلَى) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَزِدْهُ

(قَوْلُهُ: حُكْمَ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ) أَيْ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ صِحَّةُ نِكَاحِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَعَدَمُ صِحَّةِ تَزْوِيجِ وَلِيِّهِ إيَّاهُ بِدُونِ إذْنٍ مِنْهُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: لَمْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ) بَقِيَ عَكْسُهُ وَهُوَ مَا لَوْ أَقَرَّ الْوَلِيُّ بِرُشْدِهِ هَلْ يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي.

ثُمَّ رَأَيْته فِي حَجّ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إلَخْ مَا نَصُّهُ: وَلَا يَقْتَضِي إقْرَارُهُ: أَيْ الْوَلِيِّ بِهِ: أَيْ بِالرُّشْدِ فَكَّ الْحَجْرِ وَإِنْ اقْتَضَى انْعِزَالَهُ، وَحَيْثُ عَلِمَهُ لَزِمَهُ تَمْكِينُهُ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ، لَكِنَّ صِحَّةَ تَصَرُّفِهِ ظَاهِرًا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى بَيِّنَةٍ بِرُشْدِهِ: أَيْ أَوْ ظُهُورِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ حَيْثُ قَالَ: يُصَدَّقُ الْوَلِيُّ فِي دَوَامِ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ مَا لَمْ يَظْهَرْ الرُّشْدُ أَوْ يَثْبُتْ، فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ رُشْدِهِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الظُّهُورِ، وَلَا تَصَرُّفُ الْوَلِيِّ لِاعْتِرَافِهِ بِرُشْدِهِ (قَوْلُهُ: بِقَوْلِهِ) أَيْ قَوْلِ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: يُعَضِّدُ قَوْلَهُ) أَيْ يُقَوِّي قَوْلَ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ: بَلْ الظَّاهِرُ) أَيْ بَلْ الظَّاهِرُ يُعَضِّدُ قَوْلَ الْوَلِيِّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرُشْدِهِ) أَيْ فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ تَصَرُّفِهِ

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرِنِي) أَيْ لَمْ يُعْلِمْنِي

(قَوْلُهُ: وَرَآنِي) عَطْفُ عِلَّةٍ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ التَّفْرِيعِ عَلَى خُصُوصِ هَذَا التَّفْسِيرِ مَعَ أَنَّ عَكْسَهُ أَظْهَرُ فِي الشُّمُولِ. (قَوْلُهُ: وَالرُّشْدُ ضِدُّ الْغَيِّ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْخُطْبَةِ لَكِنْ هَذَا لَيْسَ الْمُرَادَ هُنَا. (قَوْلُهُ: وَتَعْبِيرُهُ بِرَشِيدًا) يَعْنِي وَتَقْيِيدُهُ الْبُلُوغَ بِالرُّشْدِ، وَقَوْلُهُ: لَا يُنَافِي مَنْ عَبَّرَ بِالْبُلُوغِ: يَعْنِي مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبُلُوغِ

.

<<  <  ج: ص:  >  >>