للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُتَوَلِّي، وَمَرَّ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ، فَعَلَيْهِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَيْضِ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ الذَّكَرِ لَكِنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ مَعَ انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا

وَيُصَدَّقُ مُدَّعِي الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ الْحَيْضِ بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ فِي خُصُومَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلِأَنَّهُ إنْ صُدِّقَ فَلَا يَحْلِفُ وَإِلَّا فَكَيْفَ يَحْلِفُ مَعَ صِغَرِهِ.

نَعَمْ إنْ كَانَ مِنْ الْغُزَاةِ وَطَلَبَ سَهْمَ الْمُقَاتِلَةِ أَوْ إثْبَاتَ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ حَلَفَ عِنْدَ التُّهْمَةِ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ (وَالرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ) جَمِيعًا كَمَا فَسَّرَ بِهِ آيَةَ {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: ٦] ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَهِيَ لِلْعُمُومِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْكَافِرَ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا هُوَ صَلَاحٌ عِنْدَهُمْ فِي الدِّينِ وَالْمَالِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّاهُ.

ثُمَّ بَيَّنَ صَلَاحَ الدِّينِ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ) مِنْ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَنْ صَغِيرَةٍ مَعَ عَدَمِ غَلَبَةِ الطَّاعَاتِ الْمَعَاصِيَ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُحَرَّمِ عَمَّا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِإِخْلَالِهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: فَعُلِمَ) أَيْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لَكِنْ) اعْتِرَاضٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا مُنَافَاةَ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ) قَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِانْسِدَادِهِ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ لَا انْسِدَادُهُ بِلَحْمَةٍ وَنَحْوِهَا

(قَوْلُهُ: مُدَّعِي الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ) بِخِلَافِ مُدَّعِيهِ بِالسِّنِّ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَكَيْفَ يَحْلِفُ) قَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فِي تَصَرُّفٍ صَدَرَ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْبُلُوغِ كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ سَنَتَيْنِ مَثَلًا وَكَانَ صَبِيًّا فَادَّعَى هُوَ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا حَلَفَ؛ لِأَنَّ حَلِفَهُ يَنْفِي صِبَاهُ، لَكِنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ إنَّ الصَّبِيَّ لَا يَحْلِفُ

(قَوْلُهُ: حَلَفَ عِنْدَ التُّهْمَةِ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: قَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْعُمُومِ هُنَا أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ كُلِّيَّةٌ بِمَعْنَى أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، وَلِكُلٍّ مِنْ صَلَاحِ الْمَالِ وَصَلَاحِ الدِّينِ أَفْرَادٌ كَثِيرَةٌ، فَإِنْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ اقْتَضَى الِاكْتِفَاءَ فِي دَفْعِ الْأَمْوَالِ إلَيْهِمْ بِوُجُودِ أَيِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّلَاحَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِهِمْ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْمَجْمُوعِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي الْعَامِّ اقْتَضَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَايَةِ كُلٍّ مِنْ الصَّلَاحَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَفْرَادِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

أَقُولُ: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّعَلُّقُ بِالْمَجْمُوعِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مَتَى تَحَقَّقَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمَجْمُوعُ وُجِدَ الرُّشْدُ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى بُلُوغِ الْغَايَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ كَبِيرَةٍ) مُطْلَقًا اهـ حَجّ: أَيْ غَلَبَتْ الطَّاعَاتُ أَوْ لَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ:) أَيْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُتَوَلِّي) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ فَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَمَرَّ وُجُوبُ الْغُسْلِ إلَخْ) حَاصِلُ الْمَقْصُودِ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ عَلَّلُوا الْحُكْمَ بِالْبُلُوغِ بِالْحَيْضِ مِنْ الْفَرْجِ وَالْإِمْنَاءِ مِنْ الذَّكَرِ بِأَنَّهُ إمَّا ذَكَرٌ أَمْنَى أَوْ أُنْثَى حَاضَتْ فَأَبْدَى فِيهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ سُؤَالًا، حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْغُسْلَ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ، فَحِينَئِذٍ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ الذَّكَرِ وَالْحَيْضِ مِنْ الْفَرْجِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى حَاضَتْ مِنْ فَرْجِهَا وَأَمْنَتْ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ مَنِيِّهَا الْمُعْتَادِ: أَيْ فَلَا يَتِمُّ التَّرْدِيدُ فِي تَعْلِيلِهِمْ، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ إذَا انْسَدَّ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا، وَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَسْقَطَ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ فَلَمْ يَظْهَرْ مَعْنَاهُ

. (قَوْلُهُ: مِنْ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ) أَيْ عِنْدَ الْبُلُوغِ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ لَوْ فَسَقَ: أَيْ بِفِعْلِ الْكَبِيرَةِ أَوْ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغِيرَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الصَّادِقُ ذَلِكَ بِقِلَّةِ الزَّمَنِ بَيْنَ الْبُلُوغِ وَبَيْنَ الْفِسْقِ وَكَثْرَتِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ السَّفَهُ إلَّا فِيمَنْ أَتَى بِالْمُفَسِّقِ مُقَارِنًا لِلْبُلُوغِ، وَحِينَئِذٍ فَالْبُلُوغُ عَلَى السَّفَهِ فِي غَايَةِ النُّدُورِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُنْظَرْ هُنَا الِاقْتِضَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>