للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمُرُوءَةِ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّشْدَ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِالْمُرُوءَةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَوْ شَرِبَ النَّبِيذَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ فَفِي التَّحْرِيرِ وَالِاسْتِذْكَارِ إنْ كَانَ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ، أَوْ تَحْرِيمَهُ فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا التَّأْثِيرُ، وَإِصْلَاحُ الْمَالِ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُبَذِّرُ بِأَنْ يُضَيِّعَ الْمَالَ) أَيْ جِنْسَهُ (بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعَامَلَةِ) وَنَحْوِهَا، وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ كَبَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِتِسْعَةٍ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عِنْدَ جَهْلِهِ بِحَالِ الْمُعَامَلَةِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا وَأَعْطَى أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا كَانَ الزَّائِدُ صَدَقَةً خَفِيَّةً مَحْمُودَةً (أَوْ رَمْيِهِ) أَيْ الْمَالَ وَإِنْ قَلَّ (فِي بَحْرٍ) أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (أَوْ إنْفَاقِهِ فِي مُحَرَّمٍ) وَلَوْ صَغِيرَةً لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الدِّينِ، وَالتَّبْذِيرُ الْجَهْلُ بِمَوَاقِعِ الْحُقُوقِ، وَالسَّرَفُ الْجَهْلُ بِمَقَادِيرِ الْحُقُوقِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي أَدَبِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا.

وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي تَرَادُفَهُمَا، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْإِنْفَاقِ الْإِضَاعَةُ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْمُخْرَجِ فِي الطَّاعَةِ إنْفَاقٌ، وَفِي الْمَكْرُوهِ وَالْمُحَرَّمِ إضَاعَةٌ وَخُسْرَانٌ وَغُرْمٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ إلْحَاقِ الِاخْتِصَاصِ هُنَا بِالْمَالِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ صَرْفَهُ) أَيْ الْمَالِ وَإِنْ كَثُرَ (فِي الصَّدَقَةِ وَ) بَاقِي (وُجُوهِ الْخَيْرِ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَهُوَ وَارِدٌ شَائِعٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَالْعِتْقِ (وَالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِمَا فِي السَّرَفِ فِي الْخَيْرِ مِنْ غَرَضِ الثَّوَابِ، وَلَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ كَمَا لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ، وَحَقِيقَةُ السَّرَفِ مَا لَا يُكْسِبُ حَمْدًا فِي الْعَاجِلِ وَلَا أَجْرًا فِي الْآجِلِ.

وَقِيلَ يَكُونُ بِذَلِكَ مُبَذِّرًا إنْ بَلَغَ مُفَرِّطًا فِي الْإِنْفَاقِ وَإِنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مُقْتَصِدًا فَلَا.

وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْمَالَ يُتَّخَذُ لِيُنْتَفَعَ بِهِ وَيُلْتَذَّ.

وَقِيلَ يَكُونُ تَبْذِيرًا عَادَةً.

وَقَضِيَّةُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ.

نَعَمْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِالْمُرُوءَةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ) وَمِنْ الْإِخْلَالِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى تَرْكِ الرَّوَاتِبِ أَوْ بَعْضِهَا فَتُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ وَلَيْسَتْ مُحَرَّمَةً، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْوَرَقَاتِ الْكَبِيرِ لِلْعَلَّامَةِ سم نَصُّهَا: فَالْوَاجِبُ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ، وَالْمُرَادُ بِتَرْكِهِ كَفُّ نَفْسِهِ عَنْهُ، لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ، وَهُوَ فِي النَّهْيِ الْكَفُّ، وَالْمُرَادُ الْعِقَابُ فِي الْآخِرَةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَلَا يَرِدُ قِتَالُ أَهْلِ بَلَدٍ اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ الْأَذَانِ أَوْ الْعِيدِ عَلَى وَجْهٍ مَرْجُوحٍ، وَلَا رَدُّ شَهَادَةِ مَنْ وَاظَبَ عَلَى تَرْكِ رَوَاتِبِ النَّوَافِلِ، عَلَى أَنَّ الْفَزَارِيَّ أَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُقَاتَلَةَ لَمْ تَكُنْ عَلَى نَفْسِ التَّرْكِ بَلْ عَلَى لَازِمِهِ، وَهُوَ الْإِخْلَالُ فِي الدِّينِ وَهُوَ حَرَامٌ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ.

وَعَلَى الثَّانِي بِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ لَيْسَ عِقَابًا بَلْ هُوَ عَدَمُ أَهْلِيَّةِ مَرْتَبَةٍ شَرْعِيَّةٍ انْتَهَى

(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَحَمِّلًا لِلشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ: فَفِي التَّحْرِيرِ) لِلْجُرْجَانِيِّ

(قَوْلُهُ: وَالِاسْتِذْكَارِ) لِلدَّارِمِيِّ

(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ) كَالْحَنَفِيِّ

(قَوْلُهُ: أَوْ تَحْرِيمَهُ) كَالشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ جِنْسُهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَوِّلًا (قَوْلُهُ: كَبَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِتِسْعَةٍ) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَخَرَجَ الدَّنَانِيرُ فَلَا يُحْتَمَلُ ذَلِكَ فِيهَا

(قَوْلُهُ: وَأَعْطَى) وَلَوْ كَانَ الْمُعْطَى لَهُ غَنِيًّا؛ إذْ لَا تَمْتَنِعُ مُحَابَاتُهُ وَتَجُوزُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ إلَخْ) وَهُوَ ظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّرْفَ فِي الْمَآكِلِ اللَّذِيذَةِ وَنَحْوِهَا لَيْسَ تَبْذِيرًا، وَغَيْرُ ظَاهِرٍ عَلَى أَنَّهُ تَبْذِيرٌ يُحْجَرُ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ حَرَامًا

(قَوْلُهُ: فِي الطَّاعَةِ) سَكَتَ عَنْ الْمُبَاحِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالطَّاعَةِ مَا يَشْمَلُهُ

(قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ: أَيْ فَيُلْحَقُ بِالْمَالِ فَيَحْرُمُ إضَاعَةُ مَا يُعَدُّ مُنْتَفَعًا بِهِ مِنْهُ عُرْفًا وَيُحْجَرُ بِسَبَبِهِ (قَوْلُهُ كَالْعِتْقِ) تَصْوِيرٌ لِوُجُوهِ الْخَيْرِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الْأُولَى) هِيَ الصَّدَقَةُ وَوُجُوهُ الْخَيْرِ

(قَوْلُهُ: مُقْتَصِدًا) أَيْ مُتَوَسِّطًا

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ) هِيَ الْمَطَاعِمُ وَالْمَلَابِسُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيُلْتَذُّ) أَيْ بِهِ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ مَا تَقَرَّرَ إلَخْ) وَهَلْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

مُرَادٌ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْحُرْمَةُ مُطْلَقًا. وَالثَّانِي: إنْ كَانَ قَدْ تَحَمَّلَ شَهَادَةً كَمَا حَكَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَزِينٍ، وَلْيُرَاجَعْ مَا سَيَأْتِي لِلشَّارِحِ فِي الشَّهَادَاتِ. (قَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ) أَيْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ) لَا يُلَاقِي هَذَا تَقْدِيرَهُ لَفْظَ بَاقِي فِي الْمَتْنِ؛ إذْ بِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُجَابُ عَنْ الْمَتْنِ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّارِحُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. (قَوْلُهُ: وَحَقِيقَةُ الصَّرْفِ إلَخْ) هَذَا يُوَافِقُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ مِنْ تَرَادُفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>