للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا» أَيْ كَأَنْ كَانَ عَلَى نَحْوِ خَمْرٍ «أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» أَيْ كَأَنْ لَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ، وَالْكُفَّارُ كَالْمُسْلِمِينَ، وَخُصُّوا بِالذِّكْرِ لِانْقِيَادِهِمْ إلَى الْأَحْكَامِ غَالِبًا، وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى إلَى الْمَتْرُوكِ بِمِنْ وَعَنْ وَلِلْمَأْخُوذِ بِعَلَى وَالْبَاءِ غَالِبًا.

(هُوَ قِسْمَانِ) : (أَحَدُهُمَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا صُلْحٌ عَلَى إقْرَارٍ) أَوْ حُجَّةٍ أُخْرَى (فَإِنْ جَرَى عَلَى عَيْنِ غَيْرِ الْمُدَّعَاةِ) كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا وَصَالَحَهُ عَنْهَا بِمُعَيَّنٍ كَثَوْبٍ (فَهُوَ بَيْعٌ) لِلْمُدَّعَاةِ مِنْ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِلَفْظِ الصُّلْحِ) وَيُسَمَّى صُلْحَ الْمُعَاوَضَةِ (تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ) أَيْ الْبَيْعِ (كَالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ) وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ (وَمُنِعَ تَصَرُّفُهُ) فِي الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ (قَبْلَ قَبْضِهِ وَاشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ إنْ اتَّفَقَا) أَيْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ، وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ (فِي عِلَّةِ الرِّبَا) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ كَاشْتِرَاطِ التَّسَاوِي إذَا كَانَ جِنْسًا رِبَوِيًّا وَاشْتِرَاطِ الْقَطْعِ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ وَجَرَيَانِ التَّحَالُفِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ وَفَسَادِهِ بِالْغَرَرِ، وَالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالْجَهْلِ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْبَيْعِ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ.

أَمَّا إذَا صَالَحَهُ عَلَى دَيْنٍ فَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَهُوَ بَيْعٌ أَيْضًا أَوْ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا مَثَلًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ السَّلَمِ فَهُوَ سَلَمٌ، وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ، قَالَهُ الشَّارِحُ جَوَابًا عَمَّا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ فَإِنْ جَرَى عَلَى غَيْرِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ كَانَ عَلَى عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ.

وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَحْسُنْ إطْلَاقُ كَوْنِهِ بَيْعًا بَلْ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ.

وَمَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ فَهُوَ سَلَمٌ: أَيْ حَقِيقَةً إنْ كَانَ بِلَفْظِهِ وَإِلَّا فَهُوَ سَلَمٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً (أَوْ) جَرَى الصُّلْحُ مِنْ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ (عَلَى مَنْفَعَةٍ) لِغَيْرِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِأَنَّ الْقَائِمَ فِي الصُّلْحِ عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ نَائِبُ الْإِمَامِ فَكَأَنَّ الصُّلْحَ وَاقِعٌ مِنْهُ فَالْمُرَادُ الْإِمَامُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا

(قَوْلُهُ: أَيْ كَأَنْ لَا يَتَصَرَّفَ إلَخْ) أَيْ وَكَأَنْ صَالَحَ زَوْجَتَهُ عَمَّا تَدَّعِيهِ عَلَيْهِ وَأَقَرَّ لَهَا بِهِ عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا.

(قَوْلُهُ: أَوْ حُجَّةٍ أُخْرَى) عَبَّرَ بِهَا لِتَشْمَلَ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فَإِنَّهُمَا حُجَّةٌ لَا بَيِّنَةٌ وَمِنْ الْحُجَّةِ عِلْمُ الْقَاضِي

(قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا صَالَحَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي وَهُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ عَلَى عَيْنٍ

(قَوْلُهُ: عَلَى دَيْنٍ) أَيْ فِي ذِمَّةِ الْمُقِرِّ كَأَنْ يَقُولَ: صَالَحْتُك مِمَّا تَدَّعِيهِ عَلَى كَذَا فِي ذِمَّتِي

(قَوْلُهُ: فَهُوَ بَيْعٌ أَيْضًا) وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي بَابِ السَّلَمِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي النَّقْدَيْنِ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ غَيْرَهُمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يُمْكِنُهُ حَمْلُ ذَاكَ عَلَى مَا إذَا جَرَى الْعَقْدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ خَاصَّةً وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى السَّلَمِ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي النَّقْدِ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْلَمًا فِيهِ بَلْ يَكُونُ ثَمَنًا، وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الصُّلْحِ مُحْتَمِلًا لِلْبَيْعِ وَغَيْرِهِ حُمِلَ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ كَمَا تَقَرَّرَ

(قَوْلُهُ: فَهُوَ سَلَمٌ) أَيْ إنْ جَرَى بِلَفْظِ السَّلَمِ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعٌ فِي الذِّمَّةِ كَمَا يَأْتِي

(قَوْلُهُ: وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ قَوْلِهِ عَلَى دَيْنٍ

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهُوَ سَلَمٌ حُكْمًا) قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ السَّلَمِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ لَهُ فِي السَّلَمِ مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْبَيْعِ دُونَ السَّلَمِ، وَقَالَ حَجّ: إنَّ الْبَيْعَ إذَا أُطْلِقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمُقَابِلِ السَّلَمِ لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا، فَهُوَ أَعَنَى الْبَيْعَ لَا يَخْرُجُ عَنْ مَوْضُوعِهِ لِغَيْرِهِ، فَإِذَا نَافَى لَفْظُهُ مَعْنَاهُ غَلَبَ لَفْظُهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَقْوَى.

وَأَمَّا لَفْظُ الصُّلْحِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ شَرْعًا لِعُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِحَسَبِ الْمَعْنَى لَا غَيْرُ، فَلَيْسَ لَهُ مَوْضُوعٌ خَاصٌّ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لَفْظُهُ حَتَّى يَغْلِبَ فِيهِ فَتَعَيَّنَ فِيهِ تَحْكِيمُ الْمَعْنَى لَا غَيْرُ اهـ.

فَيُحْتَمَلُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ) أَيْ الْمُفْسِدُ. (قَوْلُهُ: وَالْجَهْلُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ ذِكْرِ الْغَرَرِ. (قَوْلُهُ: جَوَابًا عَمَّا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ) أَيْ: الْمُوَافِقَةُ عِبَارَتُهُ لِبَقِيَّةِ كُتُبِهِ وَلِكُتُبِ الرَّافِعِيِّ، وَمِنْ ثَمَّ جَعَلَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ الْجَوَابَ عَنْ سُكُوتِ الشَّيْخَيْنِ مُطْلَقًا لَا عَنْ خُصُوصِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ) يَعْنِي مَفْهُومَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَلَى عَيْنٍ وَالتَّفْصِيلُ هُوَ كَوْنُ الدَّيْنِ تَارَةً يَكُونُ بَيْعًا وَتَارَةً يَكُونُ سَلَمًا. ..

<<  <  ج: ص:  >  >>