للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَنْ لَا يُظْلِمَ الْمَوْضِعُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

نَعَمْ لَا اعْتِبَارَ بِإِظْلَامٍ خَفِيفٍ (وَإِنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَحْمِلُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ (عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ فَوْقَ الْمَحْمِلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا، وَحَيْثُ امْتَنَعَ الْإِخْرَاجُ هَدَمَهُ الْحَاكِمُ لَا كُلُّ أَحَدٍ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْمَطْلَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ.

نَعَمْ لِكُلِّ أَحَدٍ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكِرِ، قَالَهُ سُلَيْمٌ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ بِيَدِهِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ إلَى الطَّرِيقِ وَكَانَ شَارِعًا لِمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقِيسَ بِهِ الْجَنَاحُ وَنَحْوُهُ، وَلِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ. .

وَمَحَلُّ جَوَازِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ، أَمَّا الذِّمِّيُّ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ جَازَ لَهُ الِاسْتِطْرَاقُ؛ لِأَنَّهُ كَإِعْلَاءِ بِنَائِهِ عَلَى بِنَاءِ الْمُسْلِمِ أَوْ أَبْلَغُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ فِي مَحَالِّهِمْ وَشَوَارِعِهِمْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ فِي دَارِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي رَفْعِ الْبِنَاءِ، قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَحْثًا، وَأَفْتَى أَبُو زُرْعَةَ بِمَنْعِهِ مِنْ الْبُرُوزِ فِي الْبَحْرِ بِبِنَائِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ فِي هَوَاءِ الْمَسْجِدِ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ مَا قَرُبَ مِنْهُ كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ وَتَرَدَّدَ فِي هَوَاءِ الْمَقْبَرَةِ هَلْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِالضَّمِّ الْأَحْمَالُ، وَأَمَّا الْحُمُولُ بِالضَّمِّ بِلَا هَاءٍ فَهِيَ الْإِبِلُ الَّتِي عَلَيْهَا الْهَوْدَجُ كَانَ نِسَاءً أَوْ لَمْ يَكُنْ

(قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يُظْلِمَ الْمَوْضِعُ) هُوَ فَاعِلُ يُظْلِمَ: يُقَالُ أَظْلَمَ الْقَوْمُ إذَا دَخَلُوا فِي الظَّلَامِ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ إلَخْ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَمَرُّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ وَأَخْرَجَ الرَّوْشَنَ وَالسَّابَاطَ ثُمَّ عَرَّضَ ذَلِكَ فَهَلْ يُكَلَّفُ رَفْعَهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَشْرَعَ إلَى مِلْكِهِ ثُمَّ سُبُلَ مَا تَحْتَ جَنَاحِهِ شَارِعًا الْآتِي

(قَوْلُهُ: وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ) أَيْ وَبِالْعَكْسِ أَيْضًا كَمَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ

(قَوْلُهُ: لَا كُلُّ أَحَدٍ) أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَهَدَمَ عُزِّرَ فَقَطْ، وَلَا ضَمَانَ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْإِزَالَةَ، فَأَشْبَهَ الْمُهْدَرَ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ إذَا قَتَلَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: وَلِإِطْبَاقِ النَّاسِ) الْأَوْلَى: وَإِطْبَاقٌ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى مَا صَحَّحَ.

(قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ جَوَازِ ذَلِكَ) أَيْ الْإِشْرَاعِ بِلَا ضَرَرٍ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ جَازَ لَهُ الِاسْتِطْرَاقُ) قَالَ حَجّ: وَكَذَا حَفْرُ بِئْرٍ حَشَّهُ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: أَيْ فَيَمْتَنِعُ فِي دُورِهِمْ الَّتِي بَيْنَ دُورِنَا فَقَطْ اهـ.

وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ امْتِنَاعُ ذَلِكَ فِي دُورِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْحَشُّ إلَى الشَّارِعِ وَلَا تَوَلَّدَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَيْهِ فَانْظُرْ مَا وَجْهُهُ حِينَئِذٍ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا تَصَرَّفُوا فِي خَالِصِ مِلْكِهِمْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ قِيلَ بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ حَيْثُ امْتَدَّ أَسْفَلَ الْحَشِّ إلَى الشَّارِعِ أَوْ تَوَلَّدَ مِنْهُ مَا يَضُرُّ بِالشَّارِعِ لَمْ يُبْعَدْ

(قَوْلُهُ: أَوْ أَبْلَغَ) بَقِيَ مَا لَوْ بَنَاهُ الْمُسْلِمُ فِي مِلْكِهِ قَاصِدًا بِهِ أَنْ يَسْكُنَ فِيهِ الذِّمِّيُّ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَسْكُنُهُ الذِّمِّيُّ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ جَوَازُ الْبِنَاءِ وَمَنْعُ إسْكَانِ الذِّمِّيِّ فِيهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ

(قَوْلُهُ: قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ) هُوَ مُعْتَمَدٌ، وَأَفْتَى أَبُو زُرْعَةَ بِمَنْعِهِ: أَيْ الذِّمِّيِّ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ مَا يَمُرُّ تَحْتَهُ بِوَجْهٍ بَلْ وَقَضِيَّتُهُ: امْتِنَاعُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمَرًّا لِلسُّفُنِ أَصْلًا، وَمَفْهُومُهُ جَوَازُهُ لِلْمُسْلِمِ حَيْثُ لَمْ يَضُرَّ بِالسُّفُنِ الَّتِي تَمُرُّ تَحْتَهُ، وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ الَّذِي أَخْرَجَ فِيهِ الرَّوْشَنَ سَابِقًا عَلَى النَّهْرِ فَلَا يُقَالُ صَرَّحُوا بِامْتِنَاعِ الْبِنَاءِ فِي حَرِيمِ النَّهْرِ فَكَيْفَ هَذَا مَعَ ذَاكَ

(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ) أَيْ لِأَحَدٍ لَا مُسْلِمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنْ أَمِنَ الضَّرَرَ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّارِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالشَّارِعِ لَا يَتَقَيَّدُ بِنَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الِانْتِفَاعَاتِ بَلْ لِكُلِّ أَحَدٍ الِانْتِفَاعُ بِأَرْضِهِ بِسَائِرِ وُجُوهِ الِانْتِفَاعَاتِ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ دُونَ آخَرَ بَلْ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَغَيْرُهُمَا، فَجَازَ الِانْتِفَاعُ بِهَوَائِهِ تَبَعًا لِلتَّوَسُّعِ فِي عُمُومِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَسْجِدُ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِمَا بِنَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الِانْتِفَاعَاتِ كَالصَّلَاةِ وَلِطَائِفَةٍ مِنْ النَّاسِ كَالْمُسْلِمِينَ أَوْ مَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِمْ الْمَدْرَسَةُ كَالشَّافِعِيَّةِ مَثَلًا فَكَانَا شَبِيهَيْنِ بِالْأَمْلَاكِ، وَهِيَ لَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ فِيهَا لِغَيْرِ أَهْلِهَا إلَّا بِرِضَاهُمْ، وَالرِّضَا مِنْ أَهْلِهَا هُنَا مُتَعَذِّرٌ فَتَعَذَّرَ الْإِشْرَاعُ (قَوْلُهُ: وَأُلْحِقَ بِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ

(قَوْلُهُ: مَا قَرُبَ) أَيْ فِي الِاحْتِرَامِ

(قَوْلُهُ: كَمَدْرَسَةٍ) أَيْ وَكَحَرِيمِ الْمَسْجِدِ وَفَسْقِيَّتِه وَدِهْلِيزِهِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِلْمُرُورِ فِيهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَسْجِدٍ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُ حَجّ وَكَالْمَسْجِدِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>