وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَزِيدِ الضَّرَرِ وَالرَّشِّ الْخَفِيفِ، بِخِلَافِ إلْقَاءِ الْقُمَامَاتِ وَالتُّرَابِ وَالْحِجَارَةِ وَالْحُفَر الَّتِي بِوَجْهِ الْأَرْضِ وَالرَّشِّ الْمُفْرِطِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي دَقَائِقِهِ، وَمِثْلُهُ إرْسَالُ الْمَاءِ مِنْ الْمَيَازِيبِ إلَى الطُّرُقِ الضَّيِّقَةِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَا إلْقَاءُ النَّجَاسَةِ فِيهِ بَلْ هُوَ كَالتَّخَلِّي فِيهِ فَيَكُونُ صَغِيرَةً اهـ.
وَكَوْنُهُ صَغِيرَةً ضَعِيفٌ كَمَا مَرَّ فَعَلَيْهِ إنْ كَثُرَتْ كَانَتْ كَالْقُمَامَاتِ وَإِلَّا فَلَا.
وَأَفْتَى الْقَاضِي بِكَرَاهَةِ ضَرْبِ اللَّبِنِ وَبَيْعِهِ مِنْ تُرَابِهِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِ الْعَبَّادِيِّ يَحْرُمُ أَخْذُ تُرَابِ سُوَرِ الْبَلَدِ يَقْتَضِي حُرْمَةَ أَخْذِ تُرَابِ الشَّارِعِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ أَخْذِ تُرَابِ السُّوَرِ أَنَّهُ يَضُرُّ فَحُرِّمَ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ تُرَابِ الشَّارِعِ فَفُصِّلَ فِيهِ بَيْنَ الْمُضِرِّ وَغَيْرِهِ.
وَلَوْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ فَسَبَقَهُ جَارُهُ إلَى بِنَاءِ جَنَاحٍ بِمُحَاذَاتِهِ جَازَ وَإِنْ تَعَذَّرَ مَعَهُ إعَادَةُ الْأَوَّلِ أَوْ لَمْ يَعْرِضْ صَاحِبُهُ، كَمَا لَوْ انْتَقَلَ الْوَاقِفُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
جَوَازِ ذَلِكَ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالشَّارِعِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَصِيرِ وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: وَالرَّشُّ) أَيْ وَلَا يَضُرُّ الرَّشُّ إلَخْ، وَيَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ كَعَجْنِ طِينٍ إلَخْ
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إلْقَاءِ الْقُمَامَاتِ) أَيْ وَإِنْ قَلَّتْ
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ) أَيْ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِإِضْرَارِ الْمَارَّةِ
(قَوْلُهُ: مِنْ الْمَيَازِيبِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الزَّمَنُ شِتَاءً أَوْ صَيْفًا
(قَوْلُهُ: وَكَذَا إلْقَاءُ النَّجَاسَةِ فِيهِ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ قَلَّتْ، وَلَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ الْآتِي: إنْ كَثُرَتْ كَانَتْ كَالْقُمَامَاتِ خِلَافَهُ، هَذَا وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّجَاسَةِ وَالتَّخَلِّي بِأَنَّ التَّخَلِّيَ لَمَّا كَانَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ قِيلَ فِيهِ بِالْكَرَاهَةِ فَقَطْ، بِخِلَافِ إلْقَاءِ النَّجَاسَةِ وَالتُّرَابِ فَإِنَّهُ يَسْهُلُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ
(قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ صَغِيرَةً ضَعِيفٌ) أَيْ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ فَقَطْ
(قَوْلُهُ: وَأَفْتَى الْقَاضِي بِكَرَاهَةِ ضَرْبِ اللَّبِنِ إلَخْ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: سُئِلَ م ر عَنْ طِينِ الْبِرَكِ فَقَالَ: يَنْبَغِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ، وَهِيَ إمَّا مَمْلُوكَةٌ فَيَمْتَنِعُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ، أَوْ مَوْقُوفَةٌ فَيَمْتَنِعُ؛ إذْ لَا مَصْلَحَةَ؛ فَسُئِلَ عَنْ طِينِ الْخَلِيجِ فَقَالَ: يَنْبَغِي الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ اهـ.
وَيَظْهَرُ أَنَّهُ حَيْثُ تَعَلَّقَ غَرَضُ أَصْحَابِ الْبِرَكِ بِإِزَالَةِ طِينِهَا جَازَ كَمَا لَوْ رَدَمَهَا الطِّينُ.
وَسُئِلَ عَنْ الْإِخْصَاصِ وَالْبِنَاءِ فِي حَرِيمِ النَّهْرِ لِوَضْعِ نَحْوِ الْفَخَّارِ وَالْحَبِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ هَلْ يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهَا الْأُجْرَةُ؟ يَظْهَرُ وَوَافَقَ عَلَيْهِ م ر لُزُومَ الْأُجْرَةِ وَأَنَّهَا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي نَحْوِ عَرَفَةَ اهـ.
وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ حَيْثُ قِيلَ بِامْتِنَاعِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ مِنْهُمْ لِأَرْبَابِ بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى بُولِغَ فِي ذَمِّ آخِذِ الْأُجْرَةِ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ بِأَيِّ وَجْهٍ يَلْقَى اللَّهَ مَعَ أَخْذِهِ لِلْأُجْرَةِ مِنْهُمْ بِأَنَّ مَقَاعِدَ الْأَسْوَاقِ لَوْ فُرِضَ احْتِيَاجُ النَّاسِ لَهُمْ فِي أَيِّ وَقْتِ مَنَعُوا الْجَالِسِينَ بِالْمَقَاعِدِ مِنْهَا فَكَانَ مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ فِي أَيْدِي الْجَالِسِينَ لَمْ تَزَلْ عَنْهُمْ، بِخِلَافِ الْبَانِي فِي حَرِيمِ النَّهْرِ فَإِنَّهُ مُسْتَوْلٍ عَلَى مَحَلِّ الِانْتِفَاعِ الْمَبْنِيِّ فِيهِ آمِنٌ مِنْ نَقْضِ أَحَدٍ عَلَيْهِ مُدَّةَ غَيْبَةِ الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: فَفَصَّلَ فِيهِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ) أَيْ وَلَوْ بِهَدْمِ جَارِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ فِي الشَّارِعِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ نَعَمْ لَوْ بَنَى دَارًا بِمَوَاتٍ إلَخْ.
[فَائِدَةٌ] نَقَلَ الْغَزِّيِّ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَنَاحِ الْمُخْرَجِ قَدْرٌ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمِيزَابِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ نِصْفَ السِّكَّةِ، وَجَّهَهُ الْغَزِّيِّ بِأَنَّ الْجَنَاحَ قَدْ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَبِفَرْضِهِ هُوَ نَادِرٌ، بِخِلَافِ الْمِيزَابِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَجَاوِرَيْنِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِخْرَاجِ الْمَاءِ، فَمُجَاوَزَةُ أَحَدِ الْجَارَيْنِ بِمِيزَابِهِ لِنِصْفِ السِّكَّةِ مُبْطِلٌ لِحَقِّ الْآخَرِ، وَنَظَرَ فِيهِ حَجّ وَقَالَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
السِّقَاءِ وَنَحْوِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْحَوَائِجُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ كَنَقْلِ الْأَمْتِعَةِ عَنْ الدَّابَّةِ، أَوْ نَقْلِهَا لِوَضْعِهَا عَلَيْهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الرَّبْطِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: إرْسَالُ الْمَاءِ) أَيْ مَاءِ الْغُسَالَاتِ وَنَحْوِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ صَغِيرَةً) يَعْنِي التَّخَلِّيَ. (قَوْلُهُ: تُرَابِ سُورِ الْبَلَدِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ التُّرَابُ الَّذِي يُوضَعُ فِي السُّورِ كَاَلَّذِي يُوضَعُ بَيْنَ السُّورَيْنِ لِشِدَّةِ الْمَنَعَةِ، أَوْ أَنَّ التُّرَابَ كَوْمٌ وَجُعِلَ سُوَرًا كَمَا فِي بِلَادِ الْأَرْيَافِ فَلْيُرَاجَعْ