فِي الْأَوْجَهِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَيْ فِي عَدَمِ كَرَاهَتِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُعَيَّنُ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ لِيَخْرُجَ الْكَافِرُ وَنَحْوَهُ انْتَهَى، وَإِطْلَاقُهُمْ يُخَالِفُهُ، وَتَعْبِيرُهُ بِالِاسْتِعَانَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ عَلَى أَنَّ السِّينَ تَرِدُ لِغَيْرِ الطَّلَبِ كَاسْتَحْجَرَ الطِّينُ: أَيْ صَارَ حَجَرًا، فَلَوْ أَعَانَهُ غَيْرُهُ مَعَ قُدْرَتِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَنْعِهِ كَانَ كَطَلَبِهَا (وَ) مِنْ سُنَنِهِ تَرْكُ (النَّفْضِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّبَرِّي مِنْ الْعِبَادَةِ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ خِلَافًا لِلرَّوْضَةِ مِنْ كَوْنِهِ مُبَاحًا وَلِلشَّرْحَيْنِ مِنْ كَرَاهَتِهِ (وَكَذَا التَّنْشِيفُ) بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ: أَيْ تَرْكُهُ مِنْ بَلَلِ مَاءِ وُضُوئِهِ بِلَا عُذْرٍ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا صَحَّ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ بَعْدَ غُسْلِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَرَدَّهُ وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ» .
وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِإِبَاحَةِ النَّفْضِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ فَعَلَهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ مُبَاحٌ وَاخْتَارَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
وَالثَّالِثُ مَكْرُوهٌ.
وَالتَّعْبِيرُ بِالتَّنْشِيفِ لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْنُونَ تَرْكُهُ إنَّمَا هُوَ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ، إذْ هُوَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ أَخْذُ الْمَاءِ بِخِرْقَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ فَلَا يُسَنُّ تَرْكُهُ بَلْ يَتَأَكَّدُ سَنَّهُ كَأَنْ خَرَجَ بَعْدَ وُضُوئِهِ فِي هُبُوبِ رِيحٍ تَنَجَّسَ أَوْ آلَمَهُ شِدَّةٌ نَحْوَ بَرْدٍ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَيِّتَ يُسَنُّ تَنْشِيفُهُ، وَالتَّعْبِيرُ بِالتَّنْشِيفِ هُنَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لَا النَّشْفُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَوَّلَ أَخْذُ الْمَاءِ بِخِرْقَةٍ وَأَمَّا الثَّانِي بِمَعْنَى الشُّرْبِ فَلَا يَظْهَرُ هُنَا إلَّا بِنَوْعِ تَكَلُّفٍ.
وَبَقِيَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ ذُكِرَتْ فِي الْمُطَوَّلَاتِ وَأَشَارَ إلَى خَتْمِهَا فَقَالَ (وَيَقُولُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
تَقْدِيمِ الدَّيْنِ عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ احْتَاجَ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ إلَى ثَمَنِ الْمَاءِ تَيَمَّمَ، فَقَدَّمُوا الدَّيْنَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَدَّمَ هُنَا عَلَى الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ فِي الْأَوْجَهِ) أَيْ وَإِلَّا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَأَعَادَ اهـ شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِشَيْخِنَا قم (قَوْلُهُ أَيْ فِي عَدَمِ كَرَاهَتِهَا) أَيْ بِأَنْ قُلْنَا خِلَافَ الْأُولَى أَوْ مُبَاحَةً، وَقَوْلُهُ لِيَخْرُجَ الْكَافِرُ إلَخْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ إعَانَةَ الْكَافِرِ مَكْرُوهَةٌ مُطْلَقًا عِنْدَهُ وَفِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ تَأَمُّلٌ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: لِيَخْرُجَ الْكَافِرُ وَنَحْوُهُ) كَالْمَجْنُونِ (قَوْلُهُ: كَانَ كَطَلَبِهَا) أَيْ فَيَكُونُ خِلَافَ الْأُولَى (قَوْلُهُ: يَنْفُضُ) مِنْ بَابِ نَصَرَ (قَوْلُهُ هُبُوبِ رِيحٍ تُنَجِّسُ) هُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ النَّجَاسَةِ.
وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ التَّضَمُّخَ بِالنَّجَاسَةِ إنَّمَا يَحْرُمُ إذَا كَانَ يَفْعَلُهُ عَبَثًا، وَأَمَّا هَذَا فَلَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى دَفْعِهِ.
نَعَمْ فَيَنْبَغِي وُجُوبُهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَقَدْ دَخَلَ الْوَقْتُ (قَوْلُهُ: لَا النَّشْفِ) هُوَ بِسُكُونِ الشِّينِ وَفِعْلُهُ نَشِفَ مِنْ بَابِ فَهِمَ، وَقَوْلُهُ بِمَعْنَى الشُّرْبِ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: يُقَالُ نَشِفَ الثَّوْبُ الْعَرِقَ وَنَشِفَ الْحَوْضُ الْمَاءَ شَرِبَهُ، وَبَابُهُ فَهِمَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَبَقِيَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ إلَخْ) وَمِنْهَا تَرْكُ الْكَلَامِ.
وَفِي فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ يُشْرَعُ السَّلَامُ عَلَى الْمُشْتَغِلِ بِالْوُضُوءِ وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُشْرَعُ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ اهـ.
وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُشْتَغِلِ بِالْغُسْلِ لَا يُشْرَعُ السَّلَامُ عَلَيْهِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَنْكَشِفُ مِنْهُ مَا يَسْتَحْيِ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ فَلَا تَلِيقُ مُخَاطَبَتُهُ حِينَئِذٍ اهـ قب (قَوْلُهُ: وَيَقُولُ بَعْدَهُ) عِبَارَةُ حَجّ بَعْدَهُ: أَيْ عَقِبَ الْوُضُوءِ بِحَيْثُ لَا يَطُولُ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ عُرْفًا فِيمَا يَظْهَرُ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ قَالَ: وَيَقُولُ فَوْرًا قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ اهـ.
وَلَعَلَّهُ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ مَتَى طَالَ الْفَصْلُ عُرْفًا لَا يَأْتِي بِهِ كَمَا لَا يَأْتِي بِسُنَّةِ الْوُضُوءِ.
وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ الشَّمْسِ الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ وَأَنَّ سُنَّةَ الْوُضُوءِ كَذَلِكَ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَخْرُجُ النَّوْعَانِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ مَا نَصُّهُ: وَهَلْ تَفُوتُ سُنَّةُ الْوُضُوءِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الضُّحَى فَإِنَّهُ لَا يَفُوتُ طَلَبُهَا وَإِنْ فَعَلَ بَعْضَهَا فِي الْوَقْتِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الشُّرْبِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: نَشِفَ الثَّوْبُ الْعِرْقَ بِالْكَسْرِ، وَنَشِفَ الْحَوْضُ الْمَاءَ يُنَشِّفُهُ نَشَفًا شَرِبَهُ وَتَنَشَّفَهُ كَذَلِكَ