قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَسَكَتُوا عَنْ حَفْرِ الْأَسَاسِ.
وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ بَيَانِ قَدْرِهِ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ، فَإِنَّ الْمَالِكَ قَدْ يَحْفِرُ سِرْدَابًا أَوْ غَيْرَهُ تَحْتَ الْبِنَاءِ لِيَنْتَفِعَ بِأَرْضِهِ، وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مُزَاحَمَةَ تَعْمِيقِ الْأَسَاسِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إيجَارُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهَا وَلَا بَيْعُ الْبِنَاءِ فِيهَا إلَّا بَعْدَ حَفْرِ الْأَسَاسِ لِيَرَى مَا يُؤَجِّرُهُ أَوْ يَبِيعُهُ أَوْ يَبِيعُ حُقُوقَهُ.
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الْأَرْضِ صَخْرَةً لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُحْفَرَ لِلْبِنَاءِ أَسَاسٌ، أَوْ يَكُونَ الْبِنَاءُ خَفِيفًا لَا يَحْتَاجُ إلَى أَسَاسٍ، وَالْبَحْثُ الْأَخِيرُ مَحَلُّهُ إذَا أَجَّرَهُ لِيَبْنِيَ عَلَى الْأَسَاسِ لَا فِيمَا إذَا أَجَّرَهُ الْأَرْضَ لِيَبْنِيَ عَلَيْهَا وَبَيَّنَ لَهُ مَوْضِعَ الْأَسَاسِ وَطُولَهُ وَعَرْضَهُ وَعُمْقَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّامِلِ.
(وَأَمَّا) (الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ) بَيْنَ اثْنَيْنِ (فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَضْعُ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ) وَلَا ظَنِّ رِضًا (فِي الْجَدِيدِ) هَذَانِ الْقَوْلَانِ هُمَا السَّابِقَانِ فِي جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ، وَقَدْ مَرَّ تَوْجِيهُهُمَا (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتِدًا) بِكَسْرِ التَّاءِ فِيهِمَا (أَوْ يَفْتَحَ) مِنْهُ (كَوَّةً بِلَا إذْنٍ) كَبَقِيَّةِ الْمُشْتَرَكَاتِ، وَكَذَا لَا يُتَرِّبُ الْكُتَّابَ بِتُرَابِهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ رِضَاهُ كَكُلِّ مَا يُضَايَقُ فِيهِ عَادَةً، فَإِنْ أَذِنَ جَازَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بِعِوَضٍ فِي مَسْأَلَةِ الْكَوَّةِ، وَإِلَّا كَانَ صُلْحًا عَنْ الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ.
قَالَ: وَإِذَا فَتَحَ بِالْإِذْنِ فَلَيْسَ لَهُ السَّدُّ أَيْضًا إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ وَلَمْ يَجِبْ ذِكْرُ سَمَكِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ اهـ مَحَلِّيٌّ وحج.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ شَرَطَا قَدْرًا مِنْ السُّمْكِ كَعَشَرَةِ أَذْرُعٍ مَثَلًا فَهَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ أَوْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ مُطْلَقًا أَوْ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَإِنَّ مُقْتَضَى بَيْعِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا الْمُشْتَرِي بِمَا أَرَادَ فَشَرْطُ خِلَافِهِ يُبْطِلُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوْلَى وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمَحَلِّيُّ وحج، وَلَمْ يَجِبْ ذِكْرُ سُمْكِهِ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ نَفْيِ الْوُجُوبِ جَوَازُهُ، وَلَا مَعْنَى لِجَوَازِ ذِكْرِهِ إلَّا وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ بَيْعُ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ بَلْ هَذَا إمَّا إجَارَةٌ أَوْ بَيْعٌ فِيهِ شَوْبُ إجَارَةٍ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَيْسَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْأَرْضَ مِنْ حَيْثُ هِيَ بَلْ الْأَرْضُ لِبِنَاءِ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا وَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ السُّمْكِ كَمَا قِيلَ بِهِ لَكِنَّهُمْ اغْتَفَرُوا عَدَمَ ذِكْرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ لَوْ ذَكَرَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ
(قَوْلُهُ: وَالْبَحْثُ الْأَخِيرُ) هُوَ قَوْلُهُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إيجَارُ الْأَرْضِ.
(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَضْعُ جُذُوعِهِ وَلَا هَدْمُهُ) فَلَوْ فَعَلَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ضَمِنَ أَرْشَ نَقْصِهِ، وَهُوَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَهْدُومًا وَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَيْضًا الْبِنَاءُ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْ الْجُذُوعِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْجُذُوعِ لِكَوْنِهَا مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ) أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ هَدَمَ مَجَّانًا، وَإِنْ كَانَ مَا بَنَى عَلَيْهِ مُشْتَرَكًا لِتَعَدِّيهِ.
[فَائِدَةٌ] لَوْ وَضَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَادَّعَى أَنَّ شَرِيكَهُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ وَيُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَقَامَهَا فَذَاكَ، وَإِلَّا هَدَمَ مَا بَنَاهُ مَجَّانًا.
وَمِثْلُ صَاحِبِ الْجِدَارِ وَارِثُهُ فَيُقَالُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَلِمَ وَضْعَهُ فِي زَمَنِ الْمُوَرِّثِ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ فَلَا يُهْدَمُ
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتِدَ فِيهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ الْوَجْهَ الْمُقَابِلَ لِمِلْكِهِ حَتَّى يَتَصَرَّفَ فِيهِ.
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ اسْتُهْدِمَ مِنْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ كَانَ كَمَا لَوْ انْهَدَمَ بِكَمَالِهِ عَلَى مَا يَأْتِي
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَذِنَ) أَيْ فِي وَضْعِ الْجُذُوعِ فَهُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ
(قَوْلُهُ: جَازَ) أَيْ ثُمَّ إنْ كَانَ بِعِوَضٍ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْوَضْعِ مُطْلَقًا، وَكَذَا بَعْدَهُ لَكِنْ لِأَخْذِ الْأُجْرَةِ لَا لِقَلْعِهِ مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فَلَا يُكَلَّفُ إزَالَةَ مِلْكِهِ عَنْ مِلْكِهِ
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا كَانَ صُلْحًا) أَيْ وَهُوَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَتَعَقَّبَهُ الشِّهَابُ حَجّ بِأَنَّ كَلَامَ الدَّارِمِيِّ مُصَرِّحٌ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْبَحْثُ الْأَخِيرُ)