للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي آيَةِ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢] لَوْ قَالُوا نَعَمْ كَفَرُوا، وَرُدَّ هَذَا الْوَجْهُ بِأَنَّ الْأَقَارِيرَ وَنَحْوَهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ الْمُتَبَادَرِ مِنْ اللَّفْظِ لَا عَلَى دَقَائِقِ الْعَرَبِيَّةِ وَعُلِمَ مِنْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّحْوِيِّ، وَغَيْرِهِ خِلَافًا لَلْغَزَالِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ هُنَا عِنْدَ النَّحْوِيِّ عَدَمُ الْفَرْقِ لِخَفَائِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النُّحَاةِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ، وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَوْ لُقِّنَ فَارِسِيٌّ كَلِمَاتٍ عَرَبِيَّةً لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا لَمْ يُؤَاخَذْ بِهَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْرِفْ مَدْلُولَهَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ قَصْدُهَا لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَفْهَمُهُ الْعَامِّيُّ أَيْضًا وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي لَفْظٍ لَا يَعْرِفُهُ الْعَامِّيُّ أَيْضًا، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْعَامِّيَّ غَيْرُ الْمُخَالِطِ لَنَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْجَهْلَ بِمَدْلُولِ أَكْثَرِ أَلْفَاظِ الْفُقَهَاءِ، بِخِلَافِ الْمُخَالِطِ لَنَا لَا يُقْبَلُ فِي الْخَفِيِّ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ مَعْنَاهُ.

(وَلَوْ) (قَالَ: اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك) أَوْ أُخْبِرْت أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا (فَقَالَ نَعَمْ) أَوْ جَيْرِ أَوْ بَلَى أَوْ إي (أَوْ أَقْضِي غَدًا) ذَلِكَ أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا يُخْرِجُهُ عَنْ احْتِمَالِ الْوَعْدِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ (أَوْ أَمْهِلْنِي) فِي ذَلِكَ (يَوْمًا أَوْ حَتَّى أَقْعُدَ أَوْ أَفْتَحَ الْكِيسَ أَوْ أَجِدَ) أَيْ الْمِفْتَاحَ (فَإِقْرَارٌ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عُرْفًا.

وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةٌ فِي الِالْتِزَامِ، وَلَوْ قَالَ: اُكْتُبُوا لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ كَمَا قَالَهُ الزَّبِيلِيُّ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَرَّ بِالْكِتَابَةِ فَقَطْ، وَلَوْ قَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِكَذَا كَانَ إقْرَارًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ وَاعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ آخِرًا وَلَا يُعَارِضُ مَا أَفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنِّي وَقَفْت جَمِيعَ أَمْلَاكِي وَذَكَرَ مَصْرِفَهَا وَلَمْ يُحَدِّدْ شَيْئًا مِنْهَا صَارَتْ جَمِيعُ أَمْلَاكِهِ الَّتِي يَصِحُّ وَقْفُهَا وَقْفًا وَلَا يَضُرُّ جَهْلُ الشُّهُودِ بِحُدُودِهَا وَلَا سُكُوتُهُ عَنْهَا، وَمَهْمَا شَهِدُوا بِهَذَا اللَّفْظِ ثَبَتَ الْوَقْفُ مَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ لَوْ قَالَ: الْمَوَاضِعُ الَّتِي أُثْبِتُ أَسَامِيَهَا وَحُدُودَهَا فِي هَذَا مِلْكٌ لِفُلَانٍ وَكَانَ الشَّاهِدُ لَا يَعْرِفُ حُدُودَهَا ثَبَتَ الْإِقْرَارُ، وَلَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا: أَيْ بِحُدُودِهَا وَتَجُوزُ عَلَى تَلَفُّظِهِ بِالْإِقْرَارِ، وَأَفْتَى السُّبْكِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَا نَزَلَ فِي دَفْتَرِي صَحِيحٌ يُعْمَلُ بِهِ فِيمَا عُلِمَ أَنَّهُ بِهِ حَالَةَ الْإِقْرَارِ وَيُوقَفُ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ قَالَ غَيْرُهُ وَفِي وَقْفِ مَا عُلِمَ حُدُوثُهُ نَظَرٌ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ

وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْك عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَقَالَ: صَدَقَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ قَرَارِيطَ لَزِمَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرَ أَنَّ الْقَرَارِيطَ مَجْهُولَةٌ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْمُقَرُّ بِهِ مُتَرْجَمًا عَنْهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ:

ــ

[حاشية الشبراملسي]

نَعَمْ جَوَابٌ لِلَّذِي قَبْلَهُ ... إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا كَذَا قَرَّرُوا

بَلَى جَوَابُ النَّفْيِ لَكِنَّهُ ... يَصِيرُ إثْبَاتًا كَذَا حَرَّرُوا

(قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) أَيْ فِي كَوْنِ نَعَمْ وَبَلَى إقْرَارًا (قَوْلُهُ: بَيَّنَهُمَا) أَيْ النَّحْوِيُّ وَغَيْرُهُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوُهُ) أَيْ كَقَوْلِهِ حَتَّى يَتَيَسَّرَ أَوْ إذَا جَاءَنِي مَالٌ قَضَيْت (قَوْلُهُ: مَا أَفْتَى بِهِ) أَيْ الْوَالِدُ (قَوْلُهُ: فِي هَذَا) أَيْ الْمَكْتُوبِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ عَلَيَّ تَلَفُّظُهُ بِالْإِقْرَارِ) لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ وَلَعَلَّهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا امْتَنَعَتْ فِي مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْمُقِرَّ لَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ، وَجَازَتْ فِيمَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُهُ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَشْهَدُونَ عَلَى مُجَرَّدِ أَنَّهُ وَقَفَ مَا يَمْلِكُهُ وَلَمْ يُثْبِتُوا شَيْئًا بِخُصُوصِهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَعَلَيْهِ فَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِلْكُهُ ثَبَتَ وَقْفُهُ وَمَا لَا فَلَا (قَوْلُهُ: وَيُوقَفُ) أَيْ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) أَيْ بَلْ هُوَ لَغْوٌ، وَيُجْزَمُ بِعَدَمِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَا نَزَلَ أَيْ الَّذِي هُوَ مُنَزَّلٌ فِي دَفْتَرِي الْآنَ، وَهُوَ لَا يَشْمَلُ مَا حَدَثَ تَنْزِيلُهُ بَعْدُ.

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: أَيْ الْمِفْتَاحَ) أَيْ مَثَلًا (قَوْلُهُ: كَمَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ) لَيْسَ هَذَا إفْتَاءً لِلْغَزَالِيِّ مُسْتَقِلًّا وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ إفْتَائِهِ الْآتِي عَقِبَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ بِحُدُودِهَا) هَذَا هُوَ الدَّافِعُ لِلْمُعَارَضَةِ فَانْدَفَعَ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>